الجريدة – فؤاد السعدي
“قالو وزير الصحة طاح، قالو من لانابيك خرج مايل” فلا أحد اليوم يقع ضحية الالتباس في أن قطاع الصحة بالمغرب بألف خير، وهو يسمع صرخات المواطنين من جهة، واحتجاجات المهنيين من جهة أخرى. لقد كان واضحا منذ تعين أنس الدكالي على رأس وزارة أنهكتها السياسات المتعاقبة الفاشلة المبنية على منطق الهوى الحزبي، أن الدولة تسعى للحفاظ على التوازنات، أكثر من سعيها للحد من سياسة الفساد والإفساد، والنتيجة في الأخير، فقدان الثقة في هذه المؤسسة وفي المشتغلين بها، وازدياد الحنق المجتمعي عليها، والتشكيك المستمر فيها، والنقمة عليها. فماذا يرجى من قطاع يتأرجح بين مصالح المافيات، ومنطق الولاءات والانتماءات الحزبية، سوى انهياره وتدميره وتذويبه وشله حتى يصبح رهينة لرغبات السياسيين، صادعاً بما يؤمرون به، منفذاً لأجندتهم، وتابعاً لسياستهم حزبية.
إنه العبث بكل تجلياته أن يتم استقدام رجل ترك مؤسسة غارقة في مستنقع الفساد حتى أن رائحة بعض الملفات لازالت تزكم الأنوف، لعل أبرزها تلك المتعلق بمطالبة مجموعة من المعاهد والمؤسسات التكوينية والفاعلين الاقتصادية والفاعلين في مجال التكوين بجهة فاس – مكناس بعد أن تعرضوا للإقصاء من الاستفادة من عروض التكوين التي تشرف عليها الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات عندما كان أناس الدكالي مديرا عاما لها. وفي الوقت الذي كان من الفروض أن تعرف طلبات العروض هاته تنافسا بين كل مؤسسات التكوين في إطار من الشفافية وتكافؤ الفرص تم بقدرة قادر الاقتصار على مؤسسة بعينها ومنحها قيمة الصفقة تتعدى 15 مليون درهم، هذا دون الحديث عن عميلة التكوين التي عرفت خروقات قانونية بالجملة، بالإضافة إلى ضعف محتواها، ومع ذلك لم يحرك المدير العام حينها ساكنا، حتى أنه لم يُحِل هذه الملف الملغومة على المصالح المختصة من اجل التحقيق وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما دفع البعض للتساؤل حول الأسباب وراء هذا الصمت الغير المبرر للمسؤول الأول عن مؤسسة “لانابيك”. ليس هذا فحسب بل ترك عشية تعينه وزيرا للصحة، الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات مشتعلة، وهو ما خلف العديد من التساؤلات، أولها فحوى الرسالة الشفهية التي تلقاها مدير الموارد البشرية للوكالة من مديره العام قبل رحيله، تسببت له في صدمة عجلت بنقله إلى المستشفى، حيث يرجح البعض أن الأمر يتعلق بإحدى الملفات الخطيرة المسكوت عنها. زد على ذلك اعتماد هذا الأخير في التوظيف في مراكز المسؤولية على المنطق الحزبي الصرف غير أخذ بالاعتبار لا معايير الخبرة ولا الكفاءة، والدليل تعينه لرفيق في المكتب السياسي كمحامي من أجل الترافع لصالح الوكالة، ناهيك عن العديد من صفقات التواصل ثبت عدم جدواها، وأحيانا يتم الاستغناء عنها بسبب انتهاء صلاحيتها وما خفي كان أنثن.
بنفس الاستراتيجية التي اعتمدها أيام كان مديرا عاما للوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات والمتمثلة في إزاحة الخصوم، وتعيين الأصدقاء بمراكز القرار حتى يتم تمرير الصفقات بنوع من السلاسة والسرية التامة، يسعى وزير الصحة الجديد تثبيت قدميه في قطاع هو يعلم أن كل العيون عليه، كما يعلم أيضا أنه دخل على عبث رفيقه الذي قذف به الزلزال السياسي إلى غياهب النسيان، حتى أن مهني الصحة لم يعد على لسانهم سوى عبارة “مْشَى ودَّا مْعَاه الْبَاسْ” غير أن حقيقة الأمر، هي أنه ذهب، وترك لقطاع “البَأْسَ” كله، خصوصا مع وزير تعود على التدبير المستهتر للمرافق العمومية. فعلى مقولة ما لا تستطيع معالجته بالدواء، إليك به بالكي يعمل الرجل على مجازات العناصر المشتبه بفسادها من خلال تنقيلها لجهات أخرى وبالتالي إضاعة فرصة محاسبتها ومتابعتها على ما اقترفته من مفاسد، وقد ظهر هذا واضحا عندما عمل على تزكية أسماء اشتهر أصحابها بالابتزاز والفضائح الجنسية في مناصب مدراء جهويين، وتمكينهم من الحق في أكثر من اختيار، ضدا على المنطق الإداري، وضربا صارخا لمبدأ تكافؤ الفرص و التنافسية الشريفة. هذا دون الحديث عن فبركة عملية الترشيح برمتها من أجل تعيين المقربين منه معتمدا في ذلك على الولاء الحزبي، ومتعمدا إظهار مفاسد أو سلبيات أو ثغرات تبرر له ما يتخذه من إجراءات وتغييرات في مفاصل الوزارة.
فلم يكن الوزير يحتج إلى مجهود كبير حتى يضطلع على التاريخ الأسود لهؤلاء، بل كان عليه فقط إلقاء إطلالة خفيفة على ملفاتهم المهنية، وعلى مغامراتهم التي شكلت عناوين بارزه للصحافة، ليتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن إقدامه على هكذا خطوة هو بمثابة النزول بقطاع الصحة إلى الدرك الأسفل من العبث. هذا دون الحديث عن سعيه الحثيث لاستقدام رفيق له يشتغل بمديرية التجهيز والنقل واللوجيستيك من أجل تعينه مديرا على مديرية الصيانة والتجهيز ضدا على كل اللوائح الإدارية القانونية، وبنفس الأسلوب عازم على تسليم زمام مديرية المصالح البشرية بوزارة الصحة لرفيقه وكاتم سره، محاولا تغليف كل هذا الاستهتار بخرجات إعلامية يائسة لضخ مقدار من التفاؤل والثقة الجازمة بالوعود كي ينسي المواطن ومعه المهني ما هو فيه من حال يثير الشفقة، عازما على استكمال مخططه بتهجين وزارة الصحة، وجعلها مقاطعة تابعة لحزب الكتاب، بدليل إعطائه التعليمات لديونه بتفحص كل الملفات التي ترد على مكتب ضبط الوزارة مخالفا بذلك كل المساطر الإدارية، كيف لا وهو الذي يدير مرفق عمومي بمنطق الضيعة. ويبدو أن كرم بنكيران جعله ينسى حجم حزبه الحقيقي ودوره الذي كان يقتصر فقط على استكمال نصاب الأغلبية. كرم سينقلب لا محال غَماً كدراً على العثماني رئيس الحكومة الذي استشط غضبا من تصرفات وزيره في الصحة الشيء الذي اضطره إلى توجيه تحذير شديد اللهجة من مغبة الانزلاق فيما لا يحمد عقباه، والزج به كطرفا في الصراع مع النقابات المهنية والمواطن على حد سواء.
فالواقع الحال يؤكد أن التأخر حاصل، وأن هناك فجوة كبيرة بين الطموح والخطاب، كما أن الثقافة السائدة لدى المسؤول الأول على الوزارة لا تساعد على زرع ثقافة الحكامة والشفافية في تدبيرها، و”يلا قالو الفقيه طاح، قولو من الخيمة خرج مايل”.