[author title=”زايد الرفاعي” image=”https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.15752-9/42816374_2182466125375715_2027067775930859520_n.jpg?_nc_cat=100&oh=fdae3e24c81a198604995b1d6095cb9d&oe=5C1589B3″]ماستر في الصحافة[/author]
مر ما يقارب ربع قرن عن واقعة مقتل “أيت الجيد بنعيسى” الطالب اليساري، لكن ملابسات قضيته وحيثياتها لازالت لم تغلق بشكل نهائي لحد الآن، وكأن روح الطالب التي أزهقت على يد “جماعة من الطلاب” منتمين إلى فصيل معاد لليسار، تأبى الصعود إلى السماء إلا ريثما تثأر قضائيا من آخر جاني تلوثت يده بدمائه.
وللتذكير بقصة هذا الفعل البشع المرفوض قانونيا وإنسانيا، نعود إلى سنة 1993 تحديدا يوم 25 فبراير، بضواحي كلية محمد بن عبد الله بفاس، بالظبط قرب الحي الصناعي حيث وقعت مطاردة مجموعة محسوبة على فصيل معين، لسيارة أجرة كان يستقلها بنعيسى أيت الجيد ورفيقه الخمار الدكالي، فقاموا بمحاصرتهم وإخراج أيت الجيد من السيارة والانهيال عليه بالشتم والرفس والركل والضرب، لحظتها فر السائق صوب مركز الشرطة، بعد أن رأى ما رآه، والذي، سيحكيه فيما بعد أمام المحكمة بإعتباره أحد الشهود، وفي الوقت ذاته تم إخراج الطالب الآخر الذي كان محاصرا داخل سيارة الأجرة، ليشاهد رفيقه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويردد “راني مشيت أخويا الخمار، صافي مشيت”، بعد ضربه بحجارة كبيرة (طريطوار) على الرأس، ثم سيطوقونه هو أيضا ويصيبونه بجروح بليغة، وهم ينعثونه بالكافر، ويخيرونه بين الرجم أو الذبح -حسب إفاداته- ولولا مشيئة الأقدار ووصول رجال الشرطة في الوقت المناسب ليلوذ الطلبة المدججين بالأسلحة البيضاء بالفرار، لكانت القضية، قضية قتيلان دونما شاهد إثبات.
واليوم بعد مرور حوالي 25 سنة، وبعد إصرار عائلة أيت الجيد بنعيسى على إتهام “حامي الدين عبد العالي” القيادي بحزب العدالة والتنمية، الذي كانت قد برأته المحكمة أنذاك، تم إحياء القضية من جديد، واستدعاء حامي الدين للمثول أمام القضاء، بقرار من قاضي التحقيق بمحكمة الإستئناف بفاس، على خلفية المنسوب إليه، بعد ظهور شهادات جديدة، وإدانته بجناية القتل العمد، وبالتالي اعتباره المتهم الرئيسي في مقتل الطالب اليساري.
وهذا الأمر، اضطر القيادي والبرلماني عن حزب “البيجيدي” لأن يطل عبر منافذ إعلامية، ويخرج بعدة تصريحات في محاولة منه لمداراة التهمة المنسوبة إليه، وهذا أبرز،ما جاء على لسانه:
“لقد صدر حكم قضائي سنة 1994 في حقي، بقضاء سنتين سجنا نافذا، وكانت التهمة مشاجرة ارتكب أثناءها عنف أدى إلى وفاة”، وفي تصريح آخر قال: “أقسم بالله أنني لم يسبق لي أن تعرفت على آيت الجيد بنعيسى أو إلتقيته من قبل، إلى أن إلتقيت به أول مرة داخل المستشفى مصاب”، كما أضاف: “إنني بريئ براءة الذئب من دم يوسف في قضية بنعيسى أيت الجيد، والحقيقة أني ضحية، تعرضت للإعتداء بجامعة ظهر المهراز، وأنقذني الأستاذ الجامعي محمد العويني، وقد أجريت لي عملية جراحية على مستوى الرأس”.
وتجدر الإشارة؛ إلى أن في سنة 2005، قدم حامي الدين شهادات ووثائق إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، للدفاع والتأكيد على براءته، مما جعل الهيئة تصدر قرارا يفضي بأن اعتقاله كان تعسفيا، وتمت فعلا تبرأته.
وفي ذات السياق؛ أي بعد فتح القضية رغم مرور 25 سنة، واستدعاء حامي الدين بتهمة جنائية، كان لرئيس الحكومة السابق رأي شديد اللهجة، حيث أحال في إحدى كلماته: “أن القضية إنتهت”، ثم أضاف: “نعلم أن حزب المصباح يزعجهم، لكن نقول لهم اليوم، لن نسلم لكم أخانا”.
ويبدو أن ما يثير الغرابة والدهشة في قضية أيت الجيد بنعيسى، ليس إحياؤها من جديد بتهم وشهود جديدين، بل ما يطرح عدة تساؤلات؛ هو تضارب الأراء وتشاحن المواقف، وتدخل هيئات وجهات رسمية وغير رسمية، والجميع يثير اللغط وكل يدلي بدلوه، وكل من موقعه يغني على ليلاه!
هنا الإستفهام الذي يطرح نفسه؛ أن هذا الضجيج المنظم حول ملف هو من إختصاص القضاء دون سواه، ما مصدره وما مآله؟
علما أن أي تدخل بقصد أو من غير قصد في الشأن القضائي، لن يفضي سوى إلى تضبيب القضية أكثر ما هي ضبابية، وفقط سيعتم على الحقيقة التي تسعى المحكمة إلى كشفها، ضاربة عرض الحائط الحسابات الأيديولوجية والسياسية الضيقة، والتي إن استمرت مزايداتها دونما إثباتات، فلا هي ستعمل على إنصاف الضحية، ولا سوف تساهم في تقديم الجناة للعدالة.
وبما أن المناسبة شرط، وجب رفع صوت بعض الحقوقيين الذي ألحوا على طرح إستفهام آخر مفاده؛ لماذا قضية أيت الجيد بنعيسى أثارت هاته الضجة، في حين يتم تغييب قضايا أخرى شبيهة من حيث القرائن والحيثيات، كقضايا المهدي بنبركة، وعمر بن جلون، والحسناوي، وكمال العماري، وعبد الخالق إيزم…
ومهما كانت الإجابات، فيلزم ترك السلطة القضائية تشتغل وفق مقتضيات الدستور وتطبيق القانون وتحقيق العدالة ومعاقبة كل من ثبتت في حقه إدانة.