أصبحت موجة احتلال الملك العام بمدينة مكناس تطرح أكثر من علامة استفهام، وتدفع إلى التساؤل عن الجهة المسؤولة في استفحال هذه الظاهرة المشينة التي أصبحت ترفع مظاهر التمدن عن المدينة شيئا فشيئا.
ففي مكناس كل شيء أصبح مباحا لأصحاب المقاهي والمحلات التجارية، وما تبقى من الرصيف فهو ملك للباعة المتجولين و”الفراشة”، ليتم إجبار المواطن المغلوب على أمره على المرور بمحاذاة السيارات والشاحنات ولا ينقصه سوى ارتداء الخوذة الواقية، واستعمال حزام السلامة، واستعمال منبه الصوت، والانضباط لقواعد المرور الطرقية.
فما هي دوافع “التمييكة” الغير معهودة في تعامل السلطات مع مثل هاته الفوضى الغير المنظمة؟ وما هي أسباب انخفاض تلك المطاردات التي كنا نعاينها بين الفينة والأخرى؟ أليست الجماعات المحلية بدون استثناء تؤكد من خلال قراراتها الجبائية أن الرصيف للمواطنين الراجلين فقط وللمقاهي والمحلات التجارية الحق في استغلال ثلث الملك العام لا غير ؟ أليست مسؤولية تطبيق هذا النص من صميم اختصاصات السلطات المحلية؟ ألم يقتنع المسؤولون بعد إلى أن العديد من حوادث السير داخل المجال الحضري التي يكون ضحيتها الراجلون تعود في الأصل إلى هؤلاء الذين استعمروا الرصيف بدون مقاومة، وبدون وجه حق؟
ألا يعتبر منظر وجود كراسي وطاولات المقاهي في الرصيف مدعاة للسخرية وحرمانا لحق المكناسيين من المرور عبر الرصيف؟ ألسنا الآن في تناقض صارخ مع بنود مدونة السير التي تجبر المواطنين على استعمال ممر الراجلين وهم الذين لم يجدوا بعد رصيفا يأمنون به من مفاجأة سائق متهور؟
فاستفحال فوضى احتلال الملك العام من مسؤولية ذلك المواطن الذي لا يجد غضاضة أو حرجا في الجلوس على كرسي مقهى موضوع على حافة الرصيف يتتبع من خلالها المارة، ويتفحص ما يمكن أن تميل عينه نحوه وينجذب إليه بصره بدون حياء، مسؤولية ذلك المنتخب الذي لا يريد المغامرة بمستقبله السياسي، والدخول في غمار صراع قد يكون سببا في فقدان أصوات كتلة انتخابية. مسؤولية السلطات المحلية التي تأبى إحياء حملات تحرير الرصيف العمومي من المحتلين. مسؤولية المجتمع المدني الذي يعنى بالسلامة الطرقية والتربية على المواطنة.
باختصار إنها مسؤولية الجميع لأن الملك العام هو حقنا جميعا وآن الأوان لاسترداده.