[author title=”فؤاد السعدي” image=”https://www.aljarida.ma/wp-content/uploads/2019/10/فؤاد-السعدي-ميزان-لكلام-1.jpg”]مِيزان لْكْلامْ[/author]
رغم اختلاف التوجهات السياسية بينهما، إلا أن أداء ودور المعارضة داخل المجالس الجماعية يعتبر هاما من أجل الوقوف على أخطاء الأغلبية المسيرة للشأن المحلي، وإيجاد الحلول المناسبة لها بما يخدم مصلحة المدينة وساكنتها، غير أنه في أيامنا هذه، تغيرت مفاهيم ومعايير الأداء السياسي للمعارضة حيث أصبحت أكثر التباسا واستفززا وعقما، وأسيرة شعارات وأساليب قديمة في العمل السياسي، ومقتصرة على إطلاق الشعارات الفضفاضة، وتبني خطابات المظلومية لاستجداء المواطنين، والتغني بالمثالية الغير قابلة التطبيق، واصطياد أخطاء الأغلبية ليس في سبيل علاجها بل للمزايدة السياسية لا أكثر.
ويكفي أن نلقي نظرة في هذا الباب على جماعة طنجة وصيرورة الفعل السياسي داخل دهاليز مجلسها حتى نكتشف بجلاء أن الخطاب السياسي للمعارضة المشكلة من حزبي الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار دخل في دائرة العبث والتسلل، بلغة كرة القدم، مما يدل على أن هناك أزمة نخب لذا هذه الأحزاب، وانحرف عن البوصلة بحيث أصبح كل طرف من مكوناتها يحاول كسب ولاء جزء من المواطنين بخطاب ساذج يعتقد أصحابه أنه يحظى بقبول مناصريهم وقد يجد منهم الدعم والمساندة في مواجهة الأغلبية أكثر مما هو خطاب من أجل مصلحة المدينة وساكنتها، لذلك أصبح هذا الخطاب مثيرا للفتنة ومسيئا للفعل السياسي، وبالتالي عقيما وعبثيا.
وليتأكد المواطن الطنجاوي اليوم أنه قد ابتلي داخل مجلس جماعته بمعارضة سياسية تافهة وفاشلة لا تملك كيانات قوية، ولا حضورا في الشارع، ولا حتى قدرة على مخاطبة الجماهير، ولا رؤية لترتيب أولويات القضايا التي تتبناها، لهذا غالبا ما نراها متشنجة مزايدة متطرفة في مواقفها، بسبب أنها لا تضم بين صفوفها سوى أغلبية من المنتفعين، أو من ذوي السوابق في العهر السياسي، ولا تزال أطلال خراب معارضة اليوم/أغلبية الأمس شاهدت على الجرم الذي ارتكبته في حق مدينة طنجة. فلا يختلف اثنان أن من أسباب تعطيل عجلة التنمية المحلية هو ما خلفته من ديون متراكمة وخصاص فضيع في الميزانية، ولن نتكلم عن عبثهم في التدبير الإداري لجماعة طنجة خلال الولاية السابقة لأن الخوض في هذا الموضوع لن ينتهي. وهي مناسبة نريد أن نستفسر من خلالها أحد المتدخلين عن حزب الحمامة عندما شبه جدول أعمال الدورة بأنه أمام وكالة عقارية على اعتبار أن النقط التي تضمنها تتعلق فقط بالبيع، “نستفسره” فيما إن كان وزملائه قد تركوا أيام تدبيرهم للشأن الجماعي درهما واحدا فائضا في الميزانية يستوجب التداول بشأنه، أو كما يقول المصريون “تركوها على الحديدة”. أفلا يستحي هؤلاء من أنفسهم وهم المسؤولون الحقيقيون عن إغراق الجماعة بالديون، ألا يستحيون من أنفسهم وهم يمارسون أساليب الكذب والتغليط في حق من وثق بهم، ألا يستحيون وهم من عطل قطار تنمية المدينة لسنوات.
كانت الدورة العادية لشهر أكتوبر لجماعة طنجة مثالا حيا لنقيس الدرجة نضج المعارضة، وأظن أننا لا نبالغ إن قلنا أنها وصلت إلى درجة الصفر، بفضل بعض الكائنات السياسية التي نزلت بالسياسة إلى الحضيض، ولأنها ضعيفة سياسيا أصبحت تستقوي بالفرشة والباعة المتجولين وتشتري الذمم لإرباك أشغال دورات مؤسسة دستورية، أمام مرأى ومسمع من السلطة التي لا تحرك ساكنا، وفي هذه الحالة هناك شيء من اثنين، إما أن هذه الأخيرة راضية ومباركة على يقع، وإما أنها تخشى من ردة فعل البطجين.
فالشكوى والعويل الذي سمعناه خلال مداخلة المعارضة في إطار نقطة نظام قبل أن يضطر الرئيس لرفع الجلسة، كانت كافية لنعرف الحالة المخجلة التي وصلت إليها السياسة بالمدينة، حتى أننا أصبحنا نصاب بالغثيان عند رؤية بعض الوجوه السياسية وهي تتكلم بدون خجل وبدون فرامل، تكرر خطابا مملا لم يعد يثير أحدا اللهم بعض أنصارها وممن لهم مصلحة، والعجيب أن أولئك السياسيين لا يعرفون شيئا اسمه مراجعة النفس أو حتى الاستعانة بخبراء يضبطون لهم الإيقاع قليلا، ولا نمكلك في مثل هذه المواقف سوى أنردد ذلك البيت الشعري الذي يقول “إذا لم تستح فقل ما شئت”.
أن تصبح السياسة عبارة عن تبادل للشتائم و التنابز بالألقاب، والكلام الفارغ الذي لا يقنع حتى أعته معتوه فإن ذلك من علامات الفناء، فناء السياسة و انقراضها وفقدانها للمصداقية عند عامة الناس. فعوض أن تسخر المعارضة كل قوتها وجهدها لتقويم سوء تدبير الأغلبية للشأن المحلي، نراها تسخر قوتها في شخصنة الأمور، واستجداء الرئيس السماح لها بالكلام من أجل تفريغ كبتها السياسي، ويا ليت كان كلامها في الصميم بل فقط ألم وحسرة وغل وتباكي بعدما أغلقت أمامها كل قنوات الريع السياسي، فزمن العبث قد ولى وحل مكانه زمن الشفافية والامتثال للقانون.