[author title=”فؤاد السعدي” image=”https://www.aljarida.ma/wp-content/uploads/2019/10/فؤاد-السعدي-ميزان-لكلام-1.jpg”]ميزان لكلام[/author]
في الوقت الذي يظن فيه البعض أن إجراءات العزل الصحي هو نوعا من التضييق على الحريات، وتقييد لحركة الفرد، يخوض ما بات يعرف بالجيش الأبيض من أطر صحية بمختلف فئاتهم، ومواقع عملهم، وطبيعة ونوعية مهامهم، حربا لا هوادة فيها منذ أسابيع، في مواجهة فيروس “كورونا” القاتل، صامدون يبذلون جهدا مضاعفا، يحرمهم في أحيان كثيرة من ساعات نوم كافية، من أجل العناية بمن أصابهم الوباء، معرضين حياتهم للخطر، في وقت لا يحظون فيه هم أنفسهم، بوسائل الحماية الكافية لأداء مهمتهم.
وتبدو معاناة الفرق الصحية، من أطباء وممرضين مضاعفة في بلادنا، في ظل ضعف الإمكانات، وقلة المخصصات التي يحظى بها قطاع الصحة من الميزانية العامة للدولة، والتي يمضي جلها إلى قطاعات أخرى لم تشكل في يوم من الأيام أي أولوية تذكر، وكان علينا انتظار جائحة “كورونا” كي نعي حجم الزمن الذي أهدر في مداعبة التفاهات والطورهات، وأن مراجعة ترتيب أولوياتنا أصبح ضرورة مؤكدة.
ففي الوقت الذي خرج الكثيرون عبر العالم إلى الشرفات لترديد أغاني جماعية بعد أن أجبرهم تفشي فيروس “كورونا” على البقاء في منازلهم، لتوجيه التحية للأطباء والممرضين، وُرفعت فيه آلاف “الهاشتغات” على مواقع التواصل الاجتماعي تنويها بدورهم البطولي والشجاع في إنقاذ أرواح الأبرياء، تأبى بعض الجهات إلا أن تبخس هذا الدور وهذه التضحيات في أداء واجبهم الوطني والمهني بممارسات بعيدة عن منطق الاعتراف بالعرفان قريبة إلى الجحود والتبخيس.
فإذا تحقق الإجماع اليوم حول مهنية وكفاءة واحترافية الجيش الأبيض في مواجهة الوباء وقدرة المنظومة الصحية على تحقيق الانتصار، خصوصا خلال هذه المرحلة الحاسمة مع مواجهة فيروس “كورونا”، فهذا لا يعنى أن الأمور على ما يرام، بل هناك جانب مظلم لا بد من كشفه أو بالأحرى فضحه عسى أن تتحرك الجهات المعنية وخصوصا وزارة الصحة التي ما فتأت تدعو مديرياتها المركزية والجهوية ومندوبياتها ومسؤوليها على مستوى كل المؤسسات والمصالح والإدارات الصحية لتحمل مسؤولياتهم القصوى في هذه المرحلة الدقيقة لحماية الصحة العامة وسلامة نساء ورجال الصحة، وتكثيف اتخاذ كافة التدابير الاحترازية الضرورية، وتوفير مستلزمات الوقاية الملحة والمستعجلة بما يساهم في حماية جميع العاملين في القطاع ومحيطهم العائلي والاجتماعي وتشجيعهم على أداء واجبهم الإنساني والمهني في ظروف تحد من تخوفاتهم المشروعة وتساهم في تفادي تعريضهم المحتمل للمزيد من الأخطار المهنية الإضافية والطارئة. ويبدو أن كل هذه الدعوات لم تجد الأذان الصاغية لتزيلها على ارض الواقع، وعوض أن تُكرم هذه الفئة التي تواجه الموت في كل ثانية، يصر البعض في التمادي في إذلالهم بأساليب رخيصة تقلل من الكرامة، وتنقص من حجم التضحيات التي يبذلونها، والنموذج من مدينة طنجة، وكيف تعاني الأطر الصحية المرابطة بخلايا “كوفيد-19 ” بمختلف المراكز الاستشفائية من التهميش منذ تسجيل أول حالة مصابة بفيروس “كورونا” المستجد بالمدينة، فكانت البداية بدعوتها إلى توفير مراكز لإيوائها على غرار ما ذهبت إليه العديد من المديريات الجهوية والاقليمية التي عملت على توفير فنادق للأطر الصحية لتفادي انتقال العدوى إلى أسرهم لا قدر الله، غير أن كل تلك الدعوات لم تلقى أي صدى إلى أن تدخلت السلطات المحلية لإنقاذ الموقف في الوقت التي كانت فيه المديرية الجهوية لجهة طنجة تطوان الحسيمة في سبات عميق.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى التأخر في توفير مستلزمات الوقاية من أقنعة وكمامات واقية ومواد تعقيم ونظافة وبكميات كافية ولجميع الأطر الصحية الطبية والتمريضية والإدارية، حتى تعالت الأصوات بضرورة الإسراع بحماية الأطقم الصحية مع ارتفاع أعداد المصابين. ومع كل هذا ولم تتحرك المديرية الجهوية كأن الموضوع لا يعنيها التبه. ومما زاد الطين بلة، وجبات الإفطار والسحور المقدمة خلال شهر رمضان للأطر الصحية المداومة، الساهرة على رعاية المصابين بأجنحة المصابين بفيروس “كورونا” والتي عنوانها الاهانة والاستخفاف. وجبة عبارة قطعتين من الجبن، ونصف لتر من الحليب وبيضة واحدة والقليل من التمر من الصنف الرديء و”ياغورت” وخبز، وهو ما يتناقض مع توجيهات الملك محمد السادس الذي أعطى تعليماته السامية بالاهتمام بهذه الفئة من المجتمع التي تضحي بأرواحها من أجل الوطن، لنطرح السؤال عن دور المديرية الجهوية للصحة للحد من هذه التجاوزات غير المقبولة؟ ومن يسمح للشركة المكلفة بالتغذية بالعبث بكرامة الأطر الصحية والمرضى عبر تقديم وجبات غذائية لا تليق بمستوى المجهودات التي يبذلونها؟ وهل ستتدخل وزارة الصحة في الموضوع من خلال الدعوة إلى فتح تحقيق في هذه الواقعة التي تشكل بكل المقاييس فضيحة وعار في زمن كورونا؟