جريمة حقيقية بكل المقاييس في حق البيئة تلك التي وقفت عليها ساكنة مدينة طنجة، خصوصا عندما استفاقت في ظل جائحة “كورونا” على اجتثاث عدد كبير من الأشجار من وسط غابة الرميلات التي لا زالت تحافط على رونقها وجمالها، في الوقت الذي تم خلاله تخريب أجزاء من غابة أشقار بفعل الحرائق المتتالية، وهو ما يجعلنا أن نطرح السؤال إن كانت هذه الحرائق فعلا قضاء وقدر أم بفعل فاعل. ولعل الثانية مرجحة بقوة بدليل أن ما كنا نسمعه بخصوص غرس أشجار جديدة بدل التي أحرقت ذهب أدراج الرياح، وفرضية التأمر على الملك الغابوي من طرف “المنهشين” العقاريين أصبحت واردة بقوة.
وهنا لن نتحدث عن فضيحة اغتصاب الملك الغابوي وتحويله إلى مجمع سكني عبارة عن فيلات فخمة في إطار مشروع عقاري ضخم، بل عن الجهة التي رخصت لوقوع هذه الجريمة البشعة في حق البيئة، خصوصا أن بطلها وضع يافطة للمشروع تتضمن كافة البيانات التقنية والإدارية بما فيها رخصة البناء. ومعلوم أن هذه الرخصة لا تصبح سارية المفعول إلا إذا سلكت مساطرة متعددة بدءاً من عملية تمليك المساحة المراد استغلالها لأجل البناء وانتهاءا بانجاز المشروع، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في الوهلة الأولى هو هل يتوفر صاحب المشروع على وثيقة تثبت حيازته للملك الغابوي حتى يتسنى له استخراج رخصة البناء؟ وفيما إن كان الجهاز الوصي بالمياه والغابات على علم بهذا الأمر أم أنه في “دار غفلون”؟ والسؤال الأخطر هو متى كان الملك الغابوي يملك للغير؟
ولنفترض جدلا أن صاحب المشروع يتوفر على وثيقة تثبت ملكيته للعقار الذي يريد أن يقيم عليه مشروعه، السؤال المطروح هو كيف حصل على رخصة البناء؟ مع العلم أن هذه الأخيرة لن تصبح سارية إلا إذا تم التأشير عليها من طرف الوكالة الحضرية والجماعة ومباركة السلطات المحلية. وفي هذه الحالة تعتبر كل هذه الجهات في حكم المشارك في هذه الجريمة البيئية إن لم نقل متورطة، وعلى قد المشروع على قد مكانة المتورطين في هذه المؤسسات، بمعنى لا يمكن لمشروع ضخم مثل هذا الذي قامت عليه الدنيا ولم تقعد أن لا يعلم به لا والي ولاية طنجة تطوان الحسيمة ولا مدير الوكالة الحضرية ولا عمدة المدينة، وهو ما يبعث على الريبة .
الباعث على الاستغراب من جهة أخرى هو عزم صاحب المشروع البدئ في أشغال البناء شهور فقط على مصادقة مجلس جماعة طنجة على مشروع تصميم التهيئة الحضرية الأمر الذي يفيد أنه يتوفر على رخصة استثنائية، وفي هذه الحالة أصابع الاتهام تتجه نحو المجلس الجماعي الذي سمح بمرور نقطة تمنح بموجبها للسلطات المحلية الترخيص في إطار الاستثناء، وحتى يفهم القارئ معنى الرخص الاستثنائية فهي عبارة عن شجرة تزرعها الوكالة الحضرية من خلال الإعداد لمخطط مشروع التهيئة والمساطر المصاحبة ويعتني بها المجلس الجماعي من خلال قراءة هذا المخطط والنظر في الطعون وتمريرها، وتأكل غلتها السلطات المحلية صاحبة الحل والعقد في منح الرخص الاستثنائية ومتابعة انجازها. وبما أن الرخصة تم منحها سنة 2016 أي في عهد الوالي اليعقوبي فشبهة التواطئ تسقط عن إدارة السلطة المحلية الحالية، وحتى على الجماعة التي لا تملك حق النظر والنقاش في الرخص الاستثنائية. وهو العرف الذي ذهب عليه “المنهشين” العقاريين بطنجة، الذين يحرصرون أشد الحرص على ألا يباشروا في انجاز مشاريعهم الممنوحة في إطار الرخص الاستثنائية إلا بعد انتهاء مهمة الوالي أو مغادرته، وهو ما حصل مع صاحب المشروع (ف.ب) التى تقول المصادر أنه يتمتع بمباركة زعيم الأحرار.
فإذا كان صاحب المشروع حريص على تطبيق القانون بوضع يافطة تقنية للمشروع، لماذا سارع بإزالتها و توقيف عملية اجتثاث الأشجار و إخلاء جرفات البناء مباشرة بعض الضجة التي أثارتها مواقع إعلامية محلية؟ ألا يدعو ذلك إلى الشك في وجود تواطئ بئس للقضاء على الملك الغابوي بطنجة؟ من الذي يمنع هذا المنعش العقاري من استئناف الأشغال إن كان يتوفر على الرخص المطلوبة؟ أين كان قائد الملحقة الإدارية وأعوان السلطة وقت وقوع هذه المجزرة البشعة في حق الغابة؟ ألا تستوجب هذه الفضيحة فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات و متابعة المتورطين قضائيا أم أن الأمر سينتهي بتوقيف الأشغال وطي الملف دون الوقوف على حيثياته؟ أسئلة وأخرى الأيام القادمة هي الكفيلة للإجابة عليها؟
… وللحديث بقية