لم يستوعب الشارع الطنجاوي إلى حدود الساعة ماذا يقع بالمشهد السياسي من مظاهر تبعث على الشك والريبة والالتباس وعلى أن خطبا ما قد دُبر بليل لصالح جهة دون وأخرى، وأن هذا الارتباك والتعثر في تشكيل مكاتب المقاطعات الثلاثة المتبقية بفعل فاعل.
فبعد تأجيل جلسة انتخاب رئيس مقاطعة طنجة المدينة ونوابه بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني صباح أمس الأربعاء بمقر جماعة طنجة، وما شاب أجواء تلك الجلسة من مظاهر تجهض المسلسل الديمقراطي ببلادنا، وتعيدنا إلى سنوات الرصاص، عندما كان بلوغ المناصب والمكاسب تتحكم فيه الولاءات والإكراميات والمحابات، أيام كانت السلطة الآمر الناهي فكانت تنصب من تشاء وتزيح من تشاء حسب درجة ولاء الطالب ورضى المطلوب إلى جانب العروض المقدمة بطبيعة الحال. أيام كان أصحاب المال والنفوذ والعزوة والفاسدين على رأس المجالس المنتخبة. فمن له المصلحة أن يعيد طنجة إلى الوراء؟ من يتجرأ على الإرادة الملكية الرامية إلى جعل عروس الشمال رائدة في السياسة والاقتصاد و السياحة وفي كل المجالات؟
ما يقع اليوم بطنجة خطير للغاية لدرجة لا يستوعبها عاقل، خصوصا بعد تأجيل جلستين لانتخاب الرئيس ونوابه بكل من مقاطعة السواني ومقاطعة مغوغة بسبب غياب المنتخبين، وهنا نطرح السؤال من أمر بذلك؟ لأنه حتى وإن غاب طرف وحضر آخر فهذا طبيعي كما حصل بجلسة انتخاب مقاطعة طنجة المدينة، لكن أن يتم تسجيل غياب الجميع فالأمر يدعو للشك، ويضع رئيس قسم الشؤون الداخلية بولاية طنجة في موضع المساءلة على اعتبار أنه المسؤول مسؤولية تامة عن تفعيل آليات تخليق العمل السياسي، وتوفير شروط المنافسة الانتخابية الحرة، والالتزام بالمساواة بين مختلف الأحزاب وبالحياد الإيجابي، والتقيد الصارم بالقانون. أفلا يثير هذا العديد من التساءلات؟ وهل أخذ والي امهيدية علما بأن أباطرة البناء العشوائي وأخرون ممن تحوم حولهم الشبهات يرغبون في التحكم بمصائر العباد من خلال وضع اليد على مقاطعة طنجة المدينة وتدبيرها بما يتوافق مع مصالحهم الشخصية؟ في هذه الحالة إن لم يكن يعلم بما يقع فتلك هي الطامة؟ أما وإن كان مطلعا بمجريات الأحداث، ومتابعا لكل صغيرة وكبيرة ما خفي منها وما ظهر، ولم يتدخل فالطامة أكبر.
لقد ظهر بما لا يدع مجالا للشك أن مقاطعة طنجة المدينة هي عصب حياة باقي المقاطعات الثلاثة، وانتخاب مكتبها هو بمثابة فك “البلوكاج” على مقاطعتي السواني ومغوغة. لهذا ومن أجل عودة الأمور الى منحاها الطبيعي بات من الضروري اليوم على السلطة بطنجة أن تستوعب جيدا أن التفعيل الأمثل للدستور، يعتبر منطلقا لمسار من العمل السياسي، الهادف للنهوض بالتنمية، في مناخ من الالتزام الجماعي بالقانون، والتعبئة والثقة اللازمة، لتحريك عجلة الاقتصاد، وتحفيز الاستثمار المنتج، والموفر لأسباب العيش الحر الكريم للمواطنين، بعيدا عن منطق الانجاز أو الحياد السلبي . وإن الرهان الحقيقي اليوم، هو الارتقاء بالانتخابات إلى معركة وطنية نوعية، لتحقيق انطلاقة جيدة ولإعطاء دفعة قوية للتحول السياسي الحاسم، الذي تعرفه بلادنا، والتشديد على أن ترسيخ مناخ الثقة بين المواطنيين والمؤسسات المنتخبة يبدأ بالتفعيل الأمثل للقانون.