الجريدة | هيئة التحرير
منذ أن وطأت شركة أمانديس أرض طنجة سنة 2002، وهي تحمل في جعبتها دفتر تحملات واضح، يبدأ بحقها في توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل، وينتهي بتحسين البنية التحتية وحماية المدينة من الفيضانات، لكن بعد أكثر من عقدين، لم تترك هذه الشركة خلفها سوى كابوس يؤرق المواطنين، وجيوبًا مستنزفة بفواتير خيالية، وبنية تحتية مهترئة لم تصمد أمام أول اختبار حقيقي.
لقد تحولت خدمات الماء والكهرباء في المدينة إلى شبح يطارد الفقراء، لا يمر شهر دون أن تشتعل نيران الغضب بسبب الفواتير المبالغ فيها، حيث يجد المواطن نفسه مضطرًا لدفع أرقام خيالية مقابل خدمات دون المستوى، ورغم هذه المداخيل الضخمة، لم تترك أمانديس أثرًا إيجابيًا على واقع البنية التحتية، بل على العكس، تفاقمت المشاكل واستمر نزيف الأموال دون أن يرى المواطن أي تحسن يذكر. فكم من شارع أعيد تهيئته بميزانيات ضخمة من مالية الدولة، ليتم بعد ذلك حفره من جديد بدعوى إعادة هيكلة قنوات الصرف الصحي؟ وكم من مرة أدت تدخلات الشركة إلى تخريب ما تم إنجازه، دون أي حساب أو مساءلة!
وجاءت الفضيحة الكبرى اليوم، عندما عرّت أمطار لم تستمر سوى نصف ساعة حجم الكارثة غرقت المدينة، اجتاحت المياه الأحياء، تعطلت الطرق، تكبد المواطنون خسائر مادية جسيمة، ووقف الجميع أمام واقع مرير.
عشرون سنة من التدبير، وعشرون سنة من الفشل الذريع، أين هي مشاريع الحماية من الفيضانات؟ أين هي القنوات التي صرفت عليها الملايين؟ لماذا أصبح هطول الأمطار، وهو نعمة، بمثابة كارثة تهدد المدينة وسكانها؟
واليوم.. أمانديس على وشك الرحيل، لا بد من فتح تحقيق عاجل وشامل حول كل ما جرى طيلة هذه السنوات، لا بد من محاسبة الشركة على الأموال التي جنتها مقابل خدمات مغشوشة، ولا بد من مساءلة الأجهزة المكلفة بالتتبع والمراقبة، التي التزمت الصمت أمام هذا العبث، لا يمكن السماح بأن تغادر الشركة تاركة خلفها إرثًا من المشاكل والعشوائية، لتتجرع المدينة مرارة الفوضى لعقود قادمة.
لقد حان وقت الحسم، على السلطات التدخل بحزم، على الوالي تحمل مسؤوليته التاريخية، وعلى الجميع الوقوف أمام هذا الغول الفرنسي الذي استنزف خيرات المدينة ولم يقدّم لها سوى الخراب، لن يكون مقبولًا أن يطوى هذا الملف دون محاسبة، فالتاريخ لا يرحم، وحقوق المواطنين لن تضيع بين دهاليز الصفقات والاتفاقيات المشبوهة.