الجريدة | يوسف المنصوري
أتذكر جيدًا الأيام التي قضيناها في كلية الحقوق بطنجة، حين كان همنا الأول والأخير هو الدفاع عن حقوق الطلبة، خصوصًا الفئات الهشة التي كانت تعاني في صمت. لم يكن من السهل أن ترى زملاءك يعانون من أمراض مزمنة، مثل القصور الكلوي، ويجدون أنفسهم في مواجهة تكاليف باهظة لجلسات تصفية الدم، بلغت حينها حوالي 600 درهم للحصة الواحدة. بالنسبة لطالب بسيط يعتمد على منحة شهرية زهيدة، كان الأمر أشبه بحكم بالإعدام.
لكن بفضل جهود بعض الجمعيات المحلية، تمكّنا حينها من توفير حصص علاجية مجانية لبعض هؤلاء الطلبة، ولو بشكل مؤقت. كانت المبادرة الإنسانية بمثابة إنقاذ لحياة الكثيرين منهم، إلا أن الحلول المؤقتة لا يمكن أن تكون بديلًا عن نظام صحي مستدام يحمي هؤلاء الطلبة من شبح المرض والفقر.
في تلك الفترة، كان لجامعة عبد المالك السعدي دور حاسم في تغيير هذا الواقع المؤلم، فتح رئيس الجامعة بوشتى المومني، أبوابه لنا، واستمع لمعاناة الطلبة المرضى، وعبّر عن استعداده التام لدعم المبادرات التي من شأنها تحسين وضع الطلبة الصحي، كان هناك تعاون وثيق بين إدارة الجامعة، ممثلة في الأستاذ عزيز المكلف بالمنح، وبين ممثلي الطلبة، حيث قمنا بتنظيم حملات تواصلية داخل الكلية وخارجها، لتشجيع الطلبة على التسجيل في التغطية الصحية المجانية ضمن نظام “Cnops”.
هذه المبادرة، غيّرت حياة العديد من الطلبة الذين كانوا يرزحون تحت وطأة الأمراض المزمنة، والتسجيل في التغطية الصحية المجانية منحهم فرصة للعيش بكرامة، بعيدًا عن همّ تكاليف العلاج الباهظة، لقد شعرنا حينها أننا حققنا إنجازًا كبيرًا، خاصة بعد أن رأينا كيف تحوّلت حياة هؤلاء الطلبة وذويهم إلى الأفضل.
لكن اليوم، مع صدور القرار الصادم بإلغاء التغطية الصحية المجانية للطلبة تعود المعاناة من جديد، هذا القرار، الذي يُلزم الطلبة بدفع اشتراكات شهرية وفق نظام “المؤشر الاجتماعي”، يجعل الفئات الأكثر هشاشة في وضعية مأساوية، كيف يمكن لطالب بسيط لا يملك سوى منحة هزيلة أن يتحمل تكاليف إضافية؟ بل الأسوأ من ذلك، كيف يمكن اعتباره غير مستحق للتغطية الصحية لمجرد امتلاكه اشتراكًا هاتفيًا بقيمة 50 درهمًا؟
إن هذا القرار يمثّل انتكاسة حقيقية لحقوق الطلبة، وخاصة المصابين بأمراض مزمنة، الذين يعتمدون على هذه التغطية لإنقاذ حياتهم، إننا اليوم أمام أزمة تمس في العمق حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وهو الحق في الصحة.
لا يمكن أن نقبل أن تتحوّل التغطية الصحية إلى امتياز يُمنح وفق معايير غير عادلة. الصحة حق لكل مواطن، بغض النظر عن وضعه الاجتماعي. الطالب الذي يعاني من مرض مزمن يحتاج إلى دعم الدولة، وليس إلى فرض مزيد من الأعباء عليه.
إننا نناشد الجهات المسؤولة بالتدخل العاجل لوقف هذا القرار الذي يهدد مستقبل آلاف الطلبة، ويضعهم في مواجهة مصير مجهول. يجب البحث عن حلول بديلة تحترم كرامة الطلبة وتضمن لهم حقهم في العلاج.