لا حديث في الشارع المكناسي بعد الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات الجماعية والجهوية، سوى عن طبيعة تشكلة مكتب المجلس البلدي، وأهم الأوراش التي سيدشن بها هذا الأخير ولايته الجماعية، التي يبني عليها المكناسيون آمالا كبيرة، على اعتبار أنها تشكل نقطة انعطاف هامة، إما نحو تأسيس فعل جماعي مبني على الشفافية والنزاهة. وإما نحو التراجع وإغراق المدينة في مستنقع الفساد والاستبداد وهذا الأمر الأخير مستبعد.
وعلى المنتخب المحلي الحالي أن يعي جيدا ويفهم، أن هامش المناورة والعمل لأجل المصلحة الشخصية أصبح ضيقا، في ضل الدستور الجديد الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. وان زمن “السيبة” قد ولى، مع زوال تلك الشرذمة من المنتخبين الذين أضاقوا ساكنة مكناس الويلات، بسوء تدبيرهم لشؤون الجماعة. في عهد اشتهر تسييرهم لها بالعبث والفوضى، نزلت خلاله المدينة إلى الحضيض والوضاعة.
فلم تنفع معهم لا ملاحظات لجن التفتيش، ولا زياراتهم المتكررة، ولا حتى المتابعات القضائية في حق بعضهم والمتعلقة بملفات الفساد وهدر المال العام لردعهم ووقوف دون البلوغ لغاياتهم مصالحهم الذاتية. فكان لا بد من انتظار الرابع من شتنبر حتى يقول المكناسي الحر، الذي لا يباع ولا يشترى كما تباع العبيد في سوق النخاسة، كلمته ويصدر حكمه بإسقاط المفسدين من أبراجهم. وهنا لا بد أن نقف عند كلمة “مكناسي”، فمثلما هناك العزيز ذو الأنفة، هناك الذليل والرخيص، الذي يباع كما تباع المواشي في الأسواق بـ “قفة” أو بحفنة من الدريهيمات ليزكي بالمقابل من دنس طهارة مكناس وتاريخها. ومع الأسف شكلت هذه الفئة من المكناسيين الأغلبية لسنوات تحكمت خلالها في مصير المدينة ورهنت مستقبلها.
وعلى ما يبدو، وفي قراءة لنتائج المحصل عليها، والتي بوئت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى بفارق شاسع بينه وبين المحتل للرتبة الثانية، لم يعد لهذه الفئة من الناخبيين الريادة التي كانت، وأن القوة التي أصبحت تحاكيها وتنافسها هي فئة الناخبين الصامتة التي عادت لها كلمة الفصل في الأخير لترجح الضمير على اللاضمير. وكان اختيارها للائحة “المصباح” عقابا للوائح أخرى تضم وجوها محروقة سياسيا، ومرفوضة من طرف الساكنة بسبب استبدادها وتسلطها. ففوز حزب العدالة والتنمية قد يكون درسا للفاعلين السياسيين بمكناس، على أن زمن البلطجة السياسية، وإتباع الأساليب الرخيصة لشراء الذمم أصبح متجاوزا. ووجب مستقبلا ابتداع أفكار تحترم وعي المكناسيين وذكائهم.
والأكيد أن المواطن المكناسي قد لقن درسا بليغا لكل من تجرأ على استبلاذه، وعلى الفائز بالأغلبية من الآن أن يكون حذرا، ويتجنب غضب الشارع المكناسي إن فكر في خيار التحالف مع احد الأحزاب المغضوب عليها، بدليل أنها حتى ولو اجتمعت كلها، فلن تستطيع تشكيل الأغلبية. هو فوزا بطعم المهانة والذل ورغبة في إبقاء هؤلاء في المجلس ليروا سوءات أعمالهم، وما اقترفت أيديهم.
وحتى لا نستبق الأحداث، لا بأس أن نخوض في سيناريوهات التحالفات المطروحة على العدالة والتنمية. وأول الخيارات المطروحة قد يكون هو التحالف مع حزب الحمامة، على اعتبار انه حليف استراتيجي داخل الحكومة من جهة، وسيمكن من أغلبية جد مريحة من جهة أخرى، مع العلم أن له تبعات قد تكلف حزب “المصباح” غاليا على اعتبار أن هذا الحليف المفترض يشكل ورقة محروقة، كونه يضم في صفوفه منتخبين متابعين قضائيا في ملفات الفساد. وحتى وان قبل رفاق بوانو بهذا الأمر فسيقبلون بشروطهم على اعتبار أنهم يشكلون الطرف الأقوى، وأن القبول سيكون فقط لاستعمال هذا الحليف كأداة لضرب الخصوم، ووضعه في الصفوف الأمامية لمواجهة هجمات المعارضة والتصدي لضرباتها.
أما السيناريو الثاني فهو إمكانية التحالف مع حزب الحصان، وهو ما يتمناه بعض منتخي هذا الأخير الذين لا يفقهون لا في أدبيات المعارضة، ولا في آلياتها. وقد يأملون في كرم إخوان بنكيران أن يجود عليهم بتفويضين أو ثلاثة يجنبهم الاصطفاف في المعارضة وعدم الحكم عليهم بالنسيان والنهاية الحتمية لحياتهم السياسية. في هذه الحالة قد يكون الخاسر الأكبر هو حزب العدالة والتنمية لأنه بهذا التحالف قد يجهض آمال المكناسيين الذين وضعوا ثقتهم فيه ليحارب الفساد لا ليضع يده في يده.
ليبقى السيناريو الثالث وغالبا ما سيكون هو المرجح، أن يقود إخوان بوانو شأن المحلي بمكناس بمفردهم كونهم يمتلكون أغلبية مريحة، وليسوا في حاجة لمن يشوش على سياساتهم وإستراتيجيتهم لتدبير جماعة مكناس وفي غنى عن تحالفات تجنبهم شر المسائلة والمحاسبة. ولا اعتقد أن الحزب سينسى انتكاسة ولاية 2005 – 2009 الجماعية ومن كان السبب فيها، والتي أدى فيها الثمن باهظا. وقد أعجبتني جملة قالها لي أحد الأصدقاء ونحن بصدد الحديث عن طبيعة التحالفات المفترضة كانت عبارة عن نصيحة أوجهها إلى بوانو وإخوانه “احذروا الحصان الأهوج والغراب المجروح…”.
فؤاد السعدي – الجريدة