فؤاد السعدي / مكناس
حل نهاية الأسبوع الماضي ضيفا على الحاضرة الإسماعيلية واحد من أبنائها الأبرار صاحب الأفضال على المدينة منذ أن بوأته مقعدا بالبرلمان، حتى صار بعد ذلك وزيرا في حكومة بنكيران. إنه الوزير، ورئيس الحزب الذي جلب لمناصريه ومناضليه بمكناس “العز” لدرجة أن كل المشاريع التي قُررت لتحط بالمدينة كان له الفضل فيها وأخرها دفاعه المستميت حسب ما يزعم أتباعه لإرجاع تنظيم المناظرة الدولية للفلاحة إلى مكناس بعدما كان مقررا إجرائها بالجديدة، والذي لولاه لضاعت “الشقة والسيارة” التي يستفيد منها كل مكناسي عند كل مناظرة. و هذا هو السبب الذي جعل مدنا أخرى تحسدنا عليه لما أسداه من جميل ومعروف للمدينة وأهلها. ناهيك يوم كان نائبا برلمانيا عن مدينة مكناس، كان لا يطرح سؤالا أو مشروعا إلا و مكناس حاضرة فيه بقوة. فأحرج بذلك كل وزراء الحكومة بمن فيهم رئيسها، لدرجة أنه فرض عليهم وضع العاصمة الإسماعيلية ضمن أولوياتهم التنموية، بسبب حدة لسانه ومداخلاته النارية التي تُسبب “الفعفعة”.
و”الفعفعة” هنا، حالة نفسية غريبة تصيب الشخص الذي يمتثل أمام “الفعفاع” بأعراض كصعوبة في التنفس، والدوران، وقد يصل الأمر إلى درجة الإغماء مع التبول اللاإرادي على الملابس. وهذه ظاهرة نادرة الحدوث حسب أخصائيين في سيكولوجيا الإنسان الذين أجزموا أن واحدا دون باقي البشر من تكون له القدرة على “فعفعة” الآخرين، وهو الأمر الذي حدث مع هذا السياسي السليط الذي كلما تكلم وخاطب ارتعدت فرائس المخاطبين، وبدأت وجوههم تصبب عرقا، “وْلي مَعْذَرشْ إتَبْلاَ” ، لأن قدرة هذا الأخير لم تقتصر على “فعفعة” وزرائنا في الداخل، بل امتدت خارج الحدود لتصل إلى السويد وما حصل لوزيرة خارجيتها من جراء “الفعفعة”.
جاء هذا الوزير الذي نوه به رئيسه في الحكومة عندما قال عنه بأنه “مهزوز سياسيا”إلى مكناس من أجل تجديد أواصر المحبة بينه وبين ساكنتها. وحفاظا على صلة الرحم التي تعوَّد على وصلها كل خمس سنوات وحتى يقول بأنه لازال حي يرزق. ويجدد بناء عش الحمام بعدما أتت رياح الساخطين والمستنكرين على طريقة تدبير الشأن الحزبي بمكناس على جزء منه. ليجد في استقباله مناضلين ومناضلات عبروا له عن عظيم امتنانهم للخدمات التي أسداها لمدينتهم، وأنه قد أوفى رغم كثرة مشاغله بكل ما وعد به عندما رفع شعار “مكناس.. جاء دورك”. وأولى هذه الوعود أنه عاد أخيرا إلى أحضان المدينة بعد طول غياب. ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي و”الفاهم يفهم”، ومن كان ينتظر عكس ذلك، فهو واهم، ولم يفهم المغزى الحقيقي من الشعار الذي تم رفعه خلال انتخابات 2011 التشريعية وهو “مكناس.. جاء دورك لتمنحي لي مقعدا برلمانيا”.
فما هذا الكرم الذي حظيت به مكناس وأهلها حتى يتنازل واحد من أبنائها “المهزوزين سياسيا” ويتواضع ويقبل الترشيح بها والفوز بمقعد برلماني. ماذا يريد المكناسيون أكثر من هذا بعد، في وقت تخاطب مدن أخرى وده عسى أن يلتفت إليها؟ ومع ذلك أبى أن يفعل ذلك، لأنه يعي تماما أن من ناصره لا ينتظرون منه اليوم سوى مأذبة طعام وخطاب “مهزوز” حتى يعاودوا كرة الدفاع عنه وخلق الأعذار لغيابه.
هنا تكمن قدرة السياسة في الرفع من شأن الحثالة من قاع المجتمع إلى قمته، وعلى توفير أدلة براءة المتهم وتجريمه في الآن نفسه، بشرط إتقان أساليب الخداع، والمراوغة، والكذب، والغدر، وكم كان “مكيافلي” محقا عندما قال بأن السياسي يتصرف كالحيوان يقلد الثعلب والأسد في نفس الآن”.
فمن العار أن نرى شباب مكناس ممن غٌرر بهم البارحة ينساقون وراء خطابات فارغة بعدما عاشوا طيلة خمس سنوات يدافعون عن الوهم. من العار أن نرهَن المدينة من جديد لأناس لا يعرفون معنى الوفاء بالوعود. من العار أن نصفق ونطلق العنان لعبارات كلها نفاق و”تبحليس” ولحيس الكابا” لنرضي أولياء النعمة أو بالأحرى من يمسك في يده زلتنا “والفاهم يفهم”. ألا يستحق هؤلاء الشباب أكثر من أن يكون براويز نؤثت بهم اجتماعاتنا وولائمنا. لأن مكناس اليوم ليس في حاجة إلى سياسيين يدافعون عنها بل إلى شبابها عندما يستفيق من غفلته. و”كلشي فيها مزيان ماخايب غير المعقول” فلا حرج أن نقول أي شيء، ونتبنى أي شيء، وندافع عن أي شيء، حتى وإن كانت تهريجات مسمومة، فليس هناك من يهتم، ولا من يفهم، ولا من يتكلم.