[dlist][/dlist]
الجريدة – عصام الطالبي
الحمد لله رب العالمين الذي وفقني لأكتب هذا المقال في مجتمع كثر فيه نباح وعويل بعض الضِباع و منتهكي حرمة الأديان وقداستها ممن يخوضون في ثوابت هذا الدين منهم الكلشاويون ومنهم المثقفون والسياسيون والحقوقيون ومنهم من مارس الدعوة حتى وقت قريب إلى أن روضوا لينساقوا الى هوى العلمانية والتحرر المزيف.
فليس جديدا أن يتلقى المجتمع المغربي في كل حين طعنات في هويته الدينية من بني جلدته، ولكن الجديد أن يستمروا هؤلاء المتنطعون في الغوص والنبش في مسائل نعتبرها نحن المغاربة المسلمون من المسلمات التي قضى فيها الله أمره، دون الأخذ في الاعتبار قدسية الدين الإسلامي عند المجتمع المغربي وما قد يؤدي مساس الملة وبمشاعر المغاربة إلى إيقاظ فتيل الفتنة. فالخوض في قضية ميراث المرأة والدعوة إلى المساواة بينها وبين الرجل هو تحدٍّ سافر لأحكام القرآن التي قضى الله بها من فوق سبع سماوات هو ضارب. غير أن الجديد في هذا الموضوع ليس فقط تطفل المفكرين والحقوقيون في الخوض في أحكام الشريعة الثابتة فقط، بل تجاوزه ليشمل حتى بعض الدعاة الذين كانوا في السابق يعتلون المنبر في خطبة الجمعة كالمدعو أبو حفص ( محمد رفيقي ) الذي دعى إلى مناقشة موضوع المساواة في الإرث بين الجنسين على اعتبار أن الأحكام تتغير مع الواقع المعاش وأن المرأة في زماننا ليست كما في زمان نزول الأيات والأحكام التشريعية، وأنها في زماننا هذا تعاني من الإضطهاد والتميز والحرمان. وأن الأحكام القطعية الثبوت والدلالة حسب رفيقي لا تعني بتاتا عدم الاجتهاد فيها مستدلا في ذلك بسيدنا عمر بن الخطاب والخلفاء الراشدين عندما خالفوا نصوص قطعية في بعض النوازل سنأتي على ذكرها لاحقا. زد على ذلك خرجات أبو حفص التي توحي على أن الرجل لم يعد يتحرك وفق قناعات بل بناءا على توجيهات مروضيه وهو الأمر الذي خلف موجة غضب عارمة في صفوف متتبعي صفحته الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي حيث عبروا عن استيائهم واستغرابهم من رأي رفيقي في قضية ميراث المرأة وكيف اصطف إلى جانب التيار العلماني الداعي إلى مراجعة بعض الأحكام المنصوص عليها في القرآن، وكيف هاجم بعض الشيوخ والدعاة موقف أبو حفص كالشيخ الفيزازي والشيخ رشيد نافع والشيخ محمد زحل و تلشيخ حسن الكتانب وآخرون ودعوا محمد رفيقي إلى مراجعة نفسه و التفقه في الدين على اعتبار أن حججه واهية ولا تعتمد على نص شرعي خصوصا عندما يتحجج بكون النص الشرعي ينقضي بإنقضاء العلة من وجوده. فإلى أبو حفص والقاضي المعزول وكل دعاة التحرر من بني علمان، مثلكم كمثل الحمار يحمل أسفارا،لو اطلعتم جيدا وتفقهتم في علم المواريث لأخرستم ألستنكم ولن تتطاولوا مجددا على أحكام الشريعة، تظنون أن المرأة ظلمها القرآن في أحكام الميراث ، ولتعلموا أن قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، ليست قاعدة ثابتة لكل حالات الميراث وإنما حالات معينة، والحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل لا تتعدى أربع حالات. وهنا أتسائل لماذا لا تتحدثون عن 30 حالة ترث المرأة فيها مثل الرجل وأكثر من عشر حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وفي حالات ترث المرأة وتحجر على الرجل ولا يرث معها، أليس هذا إنصافا للمرأة، فيما يتعلق بمخالفة الفاروق عمر لنصوص القرآن فهذا إفتراء و تغليط وجب استحضار الواقعة كما هي فهو إنما ألغى الحكم على السارق المحتاج، لوجوب مواساة الغني للهالك عام المجاعة، فاعتبر أن ما سرقه المحتاج – دون الغني – هو حق له، أما إن سرق الغني، فيقام عليه الحد. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب: “أعلام الموقعين” (7/3): أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسقط الحد عن السارق في عام المجاعة، قال السعدي… عن عمر قال: “لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة”، قال السعدي: “سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟. فقال: العذق: النخلة، وعام سنة: المجاعة. فقلت لأحمد: تقول به؟. فقال: أي؛ لعمري!. قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟. فقال: لا؛ إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة ” قال السعدي: “وهذا على نحو قضية عمر في غلمان حاطب… عن أبي حاطب أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة رجل من مزينة، فأتى به عمر فأقروا، فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب، فجاء، فقال له: إن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من مزينة، وأقروا على أنفسهم. فقال عمر: يا كثير بن الصلت؛ اذهب فاقطع أيديهم، فلما ولى بهم؛ ردهم عمر، ثم قال: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم، حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه؛ حل له؛ لقطعت أيديهم، وأيم الله؛ إذ لم أفعل؛ لأغرمنك غرامة توجعك!. ثم قال: يا مزني؛ بكَم أريدت منك ناقتك؟. قال: بأربعمائة. قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة!”. وذهب أحمد إلى موافقة عمر في الفصلين جميعا، ففي (مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي) التي (شرحها السعدي بكتاب سماه: “المترجم”)… وقد وافق أحمدُ على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي، وهذا محض القياس ومقتضى قواعد الشرع، فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة؛ غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له، إما بالثمن، أو مجانا، على الخلاف في ذلك، والصحيح: وجوب بذله مجانا؛ لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج. وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء، بل إذا وازنت بين هذه الشبهة وبين ما يذكرونه؛ ظهر لك التفاوت…لا سيما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد به رمقه، وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب، فدريء. نعم؛ إذا بان أن السارق لا حاجة به، وهو مستغن من السرقة؛ قطع يده. هنا يتبين أن الفاروق لم يبطل حدا من حدود الله، وانما اجتهد في حكمٍ معين في وقت معين وفي مكان معين ولم يعمم على سائر الأمصار. ولندعي أن سيدنا عمر قد خالف حدا من حدود الله وأخطأ، هل سنترك القرآن الذي هو وحي الله وكلامه ونتحجج برأي عمر الذي ليس نبيا ولا رسولا وليس معصوما من الخطأ، فحجة من يقيس على رأي عمر في قضية السرقة عام المجاعة حجتكم واهية ولا أساس لها من الصحة. لأن القاعدة الشرعية أن لا إجتهاد مع وجد النص والقرآن لم يظلم المرأة في الميراث كما يدعي ذلك العلمانيون، وقد بينتُ عدد الحالات الأربع التي ترث فيها المرأة نصف الرجل فقط، لذا كيف تفسرون أن بنت المتوفى ترث أكثر من أمها وينتميان إلى نفس الجنس. علم الميراث فيه من الحكم والعبر لآيات لقوم يعقلون، ولو تعمقتم فيه لذهلتم من عظمة الخالق سبحانه ورحمته بعباده، فللميراث معايير تضبطه، أولها درجة القرب بين الوارث والموروث، فكلما اقترب صلة القرابة زاد النصيب من الميراث، وكلما ابتعدت القرابة قلّ نصيب الميراث من باب عدل الله سبحانه وتعالى. فتلك الأصوات النشاز توهمنا أنها تدافع عن المرأة والحقيقة أنها تدافع عن مشروعها العلماني الرامي إلى تجاوز أحكام الشريعة واسقاطها وبالتالي محو هويتنا الدينية، لكن هيهات، فالمغاربة وإن جاهروا بالمعاصي فلن يقبلوا أن تُمسَّ عقيدتهم بسوء، ولا يقبلوا أن يستفز أحد مشاعرهم. وأستغرب من هؤلاء و كأنهم أعدل من الله وأرحم منه من عباده. فمن تهمه كرامة المرأة أتحداه أن يخوض في معانات النساء بين رداهات المستشفيات، من تهمه كرامة المرأة أتحداه أن يخوض في نقاش التحرش الجنسي والعنف الذي تتعرض له، من تهمه كرامة المرأة اتحداه أن يفتح فاه ليندد بما تهانيه النساء بمعبري سبتة ومليلية ممن يمتهن التهريب المعيشي من ذل وإهانة من تهمه كرامة المرأة أتحداه أن يتحدث عن معاناة النساء في القرى وظروف عيشهم وكيف تقضي اغلبهن نحبها عند الولادة، من تهمه كرامة المرأة أتحداه كيف أصبحت نساء المغرب مرتعا للذة والمتعة، من تهمه كرامة المرأة عليه ان يدافع عليها عندما يتم استغلالها لساعات طوال بالمعامل والمصانع دون إعتبارٍ لضعف جسدها لا أن يخوض في أمر هو من قبيل المسلمات. فأين دفاعكم عن المرأة التي تستعمل جسدها كمنتوج للإشهار في وسائل الإعلام بتلاوينها المختلفة دون إعتبارٍ لإنسانيتها، أين دفاعكم عن المرأة في مجال الصحة والتعليم التي يتم رميها بالمنجنيق في أعلى قمم البوادي والمداشر دون إعتبار لأنوثتها. ” لا إجتهاد مع النص”، فمعجزة هذا القرآن أنه صالح لكل زمان ومكان، ولفقه النوازل علمائه يبثون ويفتون في كل نازلة جديدة دون مخالفة صريحة لأحكام الشرع، ولا يوجد عالم واحد أجاز بمراجعة أحكام الميراث بالنسبة للمرأة. فكيف تجرؤون؟
الشاهد في موضوعنا أن الأمر لا يتعلق بالدفاع عن حقوق المرأة وكرامتها التي صانها الإسلام منذ بزوغ فجره بعدما كانت لا ترث في الجاهلية وتُوئَد وتحتقر وتهان… فكرمها القرآن في سورة النساء و ورثها وأعطاها حقوقها كاملة، وكرمها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فكان أقرب الناس إلى قلبه من جنس النساء، و هو في سكرات الموت عليه صلى الله عليه وسلم كان يوصي رعيته بالنساء خيرا وظل يكررها الى أن سلمت الروح الى بارئها.
فللمرأة مكانة عظيمة في الإسلام لذلك أعفاها الله من عدة واجبات دينية ودنيوية فهي تحيض ولا تصوم ولا تصلي وأعفاها من النفقة فأوجب الرجل برعايتها فلا داعي للتستر وراء أهدافكم الماسونية والعلمانية للطعن في أحكام الشرع و”تلك حدود الله فلا تعتدوها”، “قل أأنتم أعلم أم الله الذي خلق كل شيء بعلمٍ و حِكمة”.