الجريدة / عصام الطالبي
يتساءل المجتمع المغربي عن دور المؤسسة السجنية في إصلاح السجين وإعادة تأهيله لتسهيل اندماجه في المجتمع. والواقع الذي تعيشه الإصلاحيات والسجون المغربية من انحراف السجين واحترافه الإجرام داخلها. ويبقى السؤال المطروح هو، هل أصبح السجن حقلا خصبا للإجرام، ومقرا للعصابات المحترفة؟
فمشكل التطرف واحتراف الإجرام في السجون أصبح تحديا كبيرا يواجه المغرب في ظِلِّ الوقوف على العديد من الإختلالات والانحرافات الكثيرة التي تقع داخل أسوار المؤسسات السجنية وتحت أعين ومباركة المسؤولين عنها. ويبقى غياب آليات موضوعية لمراقبة موظفي السجون، ورؤساء المعاقل ومرؤوسيهم، من أكبر العوائق التي تواجه مندوبية السجون. وبالرغم من مجموع الإجراءات التي دأبت على اتخاذها، من ضمنها إرسالها لِلِجن التفتيش لعدد من السجون إلا أن أنها تظل غير كافية وغير ذي جدوى طالما لا يزال الوضع على ما هو عليه. والدليل التقارير التي تصدر عن المرصد المغربي للسجون، أو عن بعض المؤسسات الأوربية المهتمة بالسجين وحقوق الإنسان حول وضعية المؤسسات السجنية التي لا تحترم المعايير المعمول بها دوليا، وتوحي بأن الوضع السجني بالمعرب أشد فتامة وسوادا.
لقد تحولت السجون في المغرب إلى بيئة لتفريخ وإنتاج المجرمين، ومدرسة لتعلم أولى أبجديات الجريمة في غياب برامج واقعية لا شكلية للتأهيل السجين وإعادة دمجه. وتبقى الإشكاليات الكبيرة التي تواجه القطاع الوصي هو عامل الإكتضاض الرهيب التي تشهده معظم السجون في بلادنا. فحسب إحصائيات المندوبية العامة للسجون فالطاقة الاستيعابية للسجون تصل لأضعاف المسموح به، مما يحول السجن إلى جحيم حقيقي. أضف على هذا عدم احترام مسؤولي للأعراف المعمول بها داخل السجون منها توزيع السجناء وفق هندسة معينة، كالتفريق بين السجناء حسب الفئات العمرية وحسب الجُنْح المعتقل من أجله. أو تلك المتعلقة بالتفريق بين معتقل الرأي والسياسة مثلا معتقل الحق العام. أما فيما يتعلق بمعايير الصحة والنظافة والتغذية فحدِّث ولا حرج، مطبخ السجن مثلا وجوده كعدمه، ودوره يقتصر فقط في التزام الدولة بدفتر التحملات التي ألتزمت بتوفيرها واحترامها للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. لدرجة أصبح السجين في غنى عن مطعم السجن ويعوضهم عن ذلك الزيارة الأسبوعية لذويهم أو ما يعرف بلغة السجون ( القُفَّة ). أما النظافة فتبقى حلم صعب المنال للسجين خصوصا إن كان من درجة سجين عادي فالمرحاض داخل الزنزانة يتقزز حتى الحيوان أن يقضي حاجته به، وما يرافق ذلك من انتشار للأمراض المعدية. زد على ذلك انتشار كل مظاهر الجريمة كالرشوة والمخدرات.
والنمودج السجن المدني بطنجة وكيف استفحلت هذه الظواهر المشينة في مؤسسة دورها في التأهيل والإدماج. وبحسب شهادات لسجناء سبق لهم أن اجتياز عقوبات حبسية والذين أجمعوا على أن ظاهرة الرشوة مستفحلة بشكل مهول، وأن علاقة السجين بالسجان تحكمها المادية ويجود به السجين من العطايا. لدرجة قد تجد زنازين مصنفة من فئة “vip” تحتوي على كل وسائل الراحة والترفيه ولا تخضع للإجراءات والقوانين المعمول بها تكون مخصصة لصنف معين من المعتقلين الذين يدفعون بسخاء، هؤلاء يسمح لهم بالتجول ليلا بكل أريحية استعمال الهواتف النقالة وقت ما شاءوا دون حسيب أو رقيب. لنتساءل من المسؤول عن تفشي هذه الأوضاع داخل المؤسسات السجنية؟ وهل تقتصر المسؤولية في كل ما يقع على المندوبية العامة للسجون أو مدير المؤسسة أو الموظفين؟ ومالجدوى من صرف مبالغ طائلة في أجهزة لتعزيز آليات المراقبة وكل المظاهر المشينة لا تزال متفشية؟ هل تكفي بعض العقوبات التأديبية في حق من ثبت تورطهم أم هي مجرد درِّ الرماد في العيون وسكوت عن واقع أسود داخل أسوار السجون؟ وما جدوى من تسمية المؤسسة السجنية بإصلاحية، ما دام خارج منها اكثر عنفا وأشد إجراما؟ عن أي تأهيل نتحدث وأرقام تقارير شاهدة عن واقع مزر أصبح معه السجن مشتلا لإنتاج المجرمين والسفاحين والدليل تكرار حالات العود، فما إن يلج السجن لأول مرة إلا يعود إليه من جديد، كأن السجن أصبح الصدر الحنون للمجرمين وذوي السوابق؟ كيف لمؤسسة تدعي الإصلاح والتأهيل والفساد يدب في أوصالها؟