بعدما تجاوزت حالة “البلوكاج” التي يعرفها تشكيل ثاني حكومة في ظل دستور 2011، خمسة أشهر، وإعلان عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المعين بشكل صريح وواضح نهاية الأسبوع المنصرم بالوليدية أن الإتحاد الاشتراكي يستحيل أن يكون ضمن الأغلبية الحكومية، نتساءل لماذا يصر ابن كيران على رفض دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة؟
لا يمكن أن نفهم إصرار ابن كيران على رفض دخول الإتحاد الاشتراكي للحكومة، إلا بعد استحضار جملة من المعطيات، أولها أن إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تعمد أن يلعب مع رئيس الحكومة لعبة “أنا معك ولست معك” في بداية مشاورات تشكيل الحكومة، حيث لم يفصح بوضوح عن رغبته من عدمها في دخول الحكومة، بل ظل موقفه غامضا مدة من الزمن.
وعندما قرر لشكر أن يدخل الحكومة، وهذا هو المعطى الثاني، لم يأت عند عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي كلفه جلالة الملك بتشكيل الحكومة بناء على الفصل 47 من الدستور، ليخبره أنه حسم أمره في الدخول إلى الحكومة، وإنما ذهب عند عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار يستجديه للدفاع عنه في دخول الحكومة. وأول سؤال يتبادر حينها إلى متتبعي الشأن السياسي المغربي، من المكلف بتشكيل الحكومة في نظر لشكر؟ هل هو ابن كيران أم أخنوش؟
لشكر اختار إذن أن يدخل الحكومة ليس عن طريق رئيسها المكلف، بل عن طريق أخنوش، وهذا السلوك طافح بالدلالات منها، أن لشكر أهان مؤسسة رئاسة الحكومة وليس عبد الإله ابن كيران، ولم يعترف بالتعيين الملكي لابن كيران، وأرسل رسالة واضحة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مفادها “أنا لا أعترف بك أن تكون رئيسي في الحكومة، رئيسي هو أخنوش”.
لشكر إذن مقتنع أن رئيسه في الحكومة القادمة ليس هو ابن كيران، وهذا ما يفسر هجومه عليه صباح مساء، وإلا فمن غير المنطقي أن يرغب حزب سياسي ما المشاركة في الحكومة، ولكي يرفع من حظوظه ويقوي موقعه التفاوضي يهاجم رئيسها. ما يفسر أيضا هذه الخلاصة أن عبد الإله ابن كيران، عندما أعلن عن الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية وهي العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية. لم يستسغ لشكر ذلك، وأصبح يرغد ويزبد، ويعلن في الناس أن الإتحاد الاشتراكي سيدخل الحكومة.
ألم يكن حريا بلشكر، أن يعلن تموقعه في المعارضة، بعدما أعلن رئيس الحكومة أنه غير معني بمشاورات تشكيل الحكومة؟ وأنه ليس ضمن أغلبيته الحكومية؟ ألم يسيء لشكر إلى حزب بوعبيد وإلى تاريخه ونضاله العريق؟ بعدما أصبح يتسول الدخول إلى الحكومة بأي ثمن كان، حتى ولو بقي وحده في حزبه؟
ثالث هذه المعطيات، أن رئيس الحكومة المعروف بليونته في التفاوض، قدم أقصى ما يمكن أن يقدمه من التنازلات. ويبقى السؤال المطروح هل يوجد رئيس حكومة في العالم يقبل أن ينضم حزب إلى تحالفه وزعيمه لا يعترف به؟ وهو يعلم يقينا أنه لم يأت سوى لعرقلة مبادراته وبرامجه؟ وفوق هذا وذاك يصر على الدخول إلى حكومته رغم أنفه.