فؤاد السعدي / الجريدة
قمة الإهانة لأهل مكناس، عندما يتجرأ أحد من نوابها البرلمانيين ويعلن بدون استحياء رغبته في الترشيح من جديد خلال انتخابات أكتوبر التشريعية. قمة النذالة أن يسارع المكناسيون ليمنحوا أصواتهم لأحد من هؤلاء قبل أن يطالبوهم بالحصيلة، ويحاسبوهم على الطريقة التي دبروا بها ولايتهم التشريعية. وهل كان التقييم الفعلي لأدائهم أثناء فترة وجودهم بالبرلمان إيجابيا أم لا ؟ وهل كانت مدينة مكناس من ضمن أولياتهم ؟ وقبل أن نجيب على هذه التساؤلات، ونعرض حصيلة كل نائب برلماني على حد لا بد أن نمتلك الشجاعة ونجيب على السؤال الأهم، وهو من أعطى الفرصة لهؤلاء كي تُأكل المدينة كما أُكِل الثور الأبيض؟ وماذا كان الثمن؟ ومن سمح لهؤلاء أن يصبحوا نوابا في برلمان براتب شهري سمين، وواجهة اجتماعية تُيسر لهم قضاء حاجياتهم ومصالحهم.
لكِ الله يا مكناس، بعد أن قبل أبنائك أن يكونوا سلعة للذي سيدفع أكثر. وبضاعة مرهونة بين العرض والطلب. أو من الذين قبلوا على أنفسهم أن يُباعوا بحفنة من الدرهيمات ما تنفك تنقضي بمجرد الإعلان عن نتائج الفائزين. فحتى لو أمكن أن نعطي وصفا لبرلماني مكناس يتلائم مع حالة الإنعاش التي توجد فيها المدينة، فلن نجد أدق من وصف الملك عندما قال في خطاب ثورة الملك والشعب ” أن هناك بعض المنتخبين يظنون أن دورهم يقتصر على الترشح فقط. وليس من أجل العمل. وعندما يفوزون في الانتخابات، يختفون لخمس أو ست سنوات، ولا يظهرون إلا مع الانتخابات الموالية”. هي صورة دقيقة لبرلمانين عرفوا كيف يبيعون الوهم لمن منحوهم الثقة، ومكنوهم من صفة برلماني وما يُستفاد من خلالها. و النتيحة، ألا خير يرجى فيهم، وأن الحلم الذي باعوه لأهل مكناس قد أصبح سرابا. وأن كل محاولة تلميع صورتهم اليوم ستبوء فاشلة.
وقد آن الأوان أن نعمل بنصائح عاهل البلاد عندما شدد على “أن التصويت لا ينبغي أن يكون لفائدة المرشح الذي يكثر من الكلام، ويرفع صوته أكثر من الآخرين، بشعارات فارغة أو لمن يقدم بعض الدراهم، خلال الفترات الانتخابية، ويبيع الوعود الكاذبة” بل “الذي تتوفر فيه شروط الكفاءة والمصداقية، والحرص على خدمة الصالح العام”. فمن هو إذن من بين برلماني مكناس من تتوفر فيه الكفاءة والمصداقية؟ من هو البرلماني الذي كان له دور محوري في صناعة القرارات، وصياغة القوانين، ورسم السياسات، ومحاسبة المسؤولين وتقييم أدائهم بما يتوافق مع المصالح العُليا والعامة للوطن والمواطنين. وليس مجرد نائب يمارس دورًا شكليًا لإكمال نصاب مجلس النواب؟ من هو البرلماني الذي كان طيلة ولايته مرتبطا بساكنة مكناس متابعا لكل صغيرة وكبيرة بالمدينة، مدركا للمشاكل التي تتخبط فيها، مالكا للحلول الممكنة ؟
مع الأسف كان لبرلماني مكناس فرصة ذهبية ليكفروا عن الجرم الرمزي الذي ارتكبوه في حق مكناس وأهلها، عندما لم يكلفوا أنفسهم عناء رفض تبعية مكناس لجهة فاس. فلم يكترث لهذا المطلب لا وزير ولا رئيس أكبر فريق في البرلمان، ولا حتى نائب رئيس البرلمان أنداك. لنخلص إلى حقيقة أن هؤلاء أخلفوا موعدهم مع تاريخ المدينة المشرق الذي بناه الأبناء الأبرار. فلسنا هنا لنتباكى عن الأطلال بل لنكشف قمة الجحود والحرقة التي لا تزال مشتعلة في صدر كل مكناسي عندما أصبح مصير مدينة الملوك يتقاذفه العبيد.