في البداية أريد أن أوضح على أننا لسنا ضد الأسبوع الثقافي التي تنظمه الجماعة الحضرية لمكناس، وليست لدينا أي نظرة سلبية للثقافة بشتى وروافدها، ولا يمكن لأي عاقل أن ينكر المنافع والفوائد والآثار الإيجابية لمثل هذه التظاهرات، وتأثيرها على المواطن والحركة الاقتصادية للمدينة، وما يمكن أن تحققه من إشعاع ثقافي، ورقي وازدهار، ومنافع في مجالات عدة. إنما لدينا، كما لدى العديد من الغيورين على مدينة مكناس، ملاحظات وانتقادات لابد أن نجهر بها ونخرجها من عالم المستور إلى عالم المكشوف، سواء تعلق الأمر بالبرمجة أو البرامج وما يحوم حولهما من علامات الاستفهام، أو تعلق الأمر بالمشاركين من فنانين وفرق موسيقية ومسرحية ومستحقاتهم. مرورا بليالي السهر بالفنادق التي تقام بالموازاة مع أيام الأسبوع من حق المواطن المكناسي أن يكون مطلع على تفاصيلها على اعتبار أنه هو من يمولها من جيبه وتقتطع من قوت أبنائه.
هذا الأسبوع الثقافي الذي وصل حتى دورته الثامنة، والكل يعي تماما قيمة ميزانيته التي يتم استخلصها بالكامل من ميزانية الجماعة المثقلة بالديون مسبقا، والى حدود أخر دورة لم يستطع القائمون على الشأن الثقافي بجماعة مكناس التفكير في إيجاد صيغة ملائمة تغني الجماعة عن صرف نفقات إضافيا. وقد سبق خلال الندوة الصحفية التي عقدتها إدارة الأسبوع في دورته السابعة أن اشرنا إلى ضرورة إيجاد آلية تجنب ميزانية الجماعة مصاريف زائدة وهدرا لأموال الشعب، لكن دون جدوى وبقيت دار لقمان على ما هي عليه. ويفهم أن بقاء الحال كما هو لا يخدم سوى المصلحة الشخصية لرئيس الجماعة وبعضا من نوابه المشهورين بـ”التبناد” إلى جانب، رئيس القسم الثقافي والاجتماعي والفني “المحنك” وبعضا من معاونيه كذلك. وليتضح مدى الاستهتار والعبث والعشوائية التي يتخبط فيها هذا القسم رغم الإمكانيات الكبيرة التي تم تسخيرها له، والتي تفوق تلك المتوفرة في أقسام تعود على ميزانية الجماعة بمداخيل مهمة والسبب أن “عراب” هذا القسم وبعض المحسوبين عليه قبلوا ركوب صهوة الحصان بعدما لم تسعهم أجنحة الحمامة .
ولنتسائل هل وجد هذا القسم فقط لهدر أموال المكناسيين لا غير ؟ فما معنى أن تنظم جماعة مكناس أياما رمضانية خلال شهر رمضان المنقضي، وبعدها بأقل من شهر تعلن عن تنظيم أسبوعها الثقافي. ألا يعد هذا ضحكا على ذقون المكناسيين، واستحمارا واستغباءا لعقولهم، في الوقت الذي تحتاج فيه ميزانية الجماعة لكل درهم يصرف في حاجيات المدينة وضروريتها الملحة. فأي عبث هذا، والمدينة لا تتوفر حتى على إنارة عمومية لائقة على سبيل المثال لا الحصر. وأن ما يُنفق في هذا الأسبوع الثقافي من أموال عمومية مهمة يكون على حساب أولويات مُلحّة، وضروريات لا تقبل التأخير.
وللمكناسي اليوم أن يتسأل، هل هذا الأسبوع الثقافي، الذي يصادف فترة الاستعدادات للاستحقاقات الانتخابية الجهوية والجماعية يُنظم بنية سليمة، ولأهداف نبيلة، ولغرض خدمة المواطن المكناسي في المجالات المختلفة أم لشيء في نفسية الساهرين عليه، والمعلنين ولائهم لتماسيح وعفاريت الجماعة. وهل يُنظم هذا الأسبوع الثقافي في سياق مدروس هدفه الرقي بالمجتمع، وتثقيف المواطن أم لقضاء مأرب أخرى؟ والى أن يصلنا الجواب، ودرأ للشبهات كان لازما على سلطة الوصية في مثل هذه الضروف العمل من أجل ثني القائمين على هذا الأسبوع للعدول عن تنظيمه، وتفادي كل ما من شأنه أن يثير اللغط، ويعكر صفو المنافسة السياسية الشريفة. لأن ما يجعلنا نضع معطى توظيف هذا الأسبوع لأغراض سياسية أمام أنضار سلطة الوصية لتتحمل مسؤوليتها وتقف موقف الحسم في هذا الشأن، هو الطلب الذي تقدم به أحد مستشاري “المعارضة” عندما دعا في إحدى دورات المجلس إلى إلغاء هذا الأسبوع الثقافي، ولو بشكل استثنائي خلال هذه السنة وتفادي السجال الذي قد يسببه.
وعلى اعتبار مصداقية هذا الطلب، وفيما إذا كان صاحبه يعني ما يقول، أم هو مجرد تسويق لخطاب سياسي. يجب التوضيح على أن عرض هذه النقطة تلته كشف العديد من الفضائح المتعلقة بطريقة تسيير وتدبير الأسبوع الثقافي الماضي، وقد سبق وأن تم التطرق إليها في مقال سابق تحت عنوان ” أعطيني أسبوعي” (انقر على العنوان)، وخاصة عندما اشتد الصراع على من سيتولى شغل منصب مدير الأسبوع في دورته الثامنة.
ويبدو أن ملاحظة “المعارضة” لم تلقى الترحاب والقبول، لا من طرف رئيس المجلس الجماعي الذي يعتبرها مناسبة لدعوة أصدقائه والمقاربين له، و لا من طرف رئيس القسم الثقافي والفني والاجتماعي بجماعة مكناس الراعي للشأن الثقافي بالمدينة الذي لم تكفيه الأيام الرمضانية وما هُدر فيها من أموال المكناسين ليصر على تنظيم هذا الأسبوع رغم أنف المعارضين. وهو العارف أن هذا الأسبوع هو بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا.
فما هي القيمة المضافة لهذا الأسبوع الثقافي ؟ ولماذا الإصرار على تنظيم أسبوع ثقافي لا يحمل من الثقافة إلا الاسم ؟ أسبوع يغلب عليها طابع الفرجة و”الشطيح والرديح والغيطة” والطبل والغناء والرقص، وهز الأرداف والأكتاف والبطون، وما يرافقه من موائد ومآذب وسهرات الملاح وما جارهما “والفاهم يفهم”. (وستكون لنا عودة للحديث عن الأمور التي لا يعرفها المكناسيون عن هذا الأسبوع والغير مدرجة في البرنامج العام وتخصص فقط للمقربين).
الأكثر من هذا أن من المفارقات الغريبة هو أنه في الوقت الذي تشكو فيه الجماعة ارتفاع النفقات ونزيفا حادا في ميزانيتها، أصبحت معه الدعوة الى نهج سياسة ترشيد النفقات ضرورية ملحة، تجدها تدعم بسخاء هذا الأسبوع وتسهر عليه وترعاه وتروج له إعلاميا وثقافيا، وتغدق الأموال وتوفر الدعم المادي والمعنوي وتسخر الوسائل والإمكانيات وتضع المؤسسات والفضاءات العمومية رهن إشارته والهدف ببساطة خدمة أجندة سياسة معينة… يتبع
فؤاد السعدي – الجريدة