كنا على يقين أن اختيارنا لخط تحريري موضوعي وجريئ لن يروق للبعض، على اعتبار أنهم تعودوا لغة النفاق و التملق. وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمن يدير الشأن المحلي لمدينة مكناس. هؤلاء الذين تعجبهم لغة التهليل لمنجزاتهم، وما حققوه، ويختارون بعناية من سيقوم بدور التهليل والتطبيل، ويتولى مهمة الدفاع عن طرحهم و تصورهم بدلا عنهم.
يذكرني مشهد علاقة هؤلاء ببعض الأقلام التي تدعي المهنية في المجال الصحافي، بمشهد “تنكَافت” مع فارق بسيط هو أن “تنكَافت” طقس تقليدي ارتبط به العرس المغربي، غايته العمل على “إبراز” العروس بعد الاشتغال عليها وإلباسها أجمل الثياب والحلي، وتقديمها بعد ذلك لأهل العريس من اجل تحيتها وتقبيلها. فـ”النكافة” هنا وبعد كل هذا المجهود، تستحق أجرة، لأنها اجتهدت وأبدعت من أجل إظهار العروس في أبهى حلل. فما الشيء الذي قام به المجلس البلدي لمكناس كي نطبل له ونقول انه انتصر على كل من يدعى أن مكناس عرفت انحطاط لم تشهد نضيره من قبل، لمجرد أن رئيسه قال فقط بدون بينة، لقد قمنا.. و فعلنا.. و أنجزنا.. كان حريا على هؤلاء ممن اختاروا لغة التطبيل والمخادعة، إذا لم تكن لديهم دراية بفلسفة الانتقاد الموضوعي البناء الهدف منه المصلحة العامة. أن يلتزموا الصمت إلى حين ظهور الحقائق، ليحسبوا بهذا على زمرة الصحفيين الذين حتى وان لم ينتقدوا آثروا الحياد، ففي الجيش الواحد قد تجد صفوفا أمامية وأخرى خلفية، والاصطفاف في احدهما خير من الاصطفاف مع من يخونون ضمائرهم قبل أن يخونوا مدينتهم.
ومسؤوليتنا كصحفيين أن نلعب دور المرقب لكل ما يجول ويدور داخل دهاليز الجماعة الحضرية التي عرف المسؤولين بها كيف يحكمون السيطرة على كل صغيرة و كبيرة. وأصبح حتى تحري المعلومة والتأكد من صحتها من الصعوبة بمكان.
ورغم ذلك استطعنا الوصول إلى ملفات تتفاوت درجة خطورتها من الضعيف إلى الخطير جدا. وقد تسنى لنا ذلك بفضل بعض المكناسيين الشرفاء. ممن اثنوا على خطنا التحريري، واعتبرونا الصوت المزعج لمسيري الشأن المحلي بمكناس، ووميض أمل، وسبيلا لكي نقول كفى. مع أننا نؤكد أننا لسنا وحدنا من يؤرق مضجع الرئيس والموالين له. بل هناك الكثير من هم أفضل منا. وان نشكل وحدة ضد الفساد خير من يلجئ بعضنا إلى الاصطياد في الماء العكر و يستغل الظرف لكسب ود الرئيس وزبانيته. ولنذكر أن انتقادنا للمسؤول وليس للشخص.
رسالتنا كذلك أن نلعب دور المعارضة عندما أيقنا أن لا معارضة بالمجلس. وبعدما استطاع الرئيس أن يجعل الكل تحت إبطه، واحد بمكرمة، والأخر بسفريات خارج الوطن، والأخر بتوقيع على رخصة، والأخر بتوقيع اتفاقية أو شراكة، والقائمة طويلة. الخلاصة لم تبقى أية معارضة تذكر. وحتى النائب عبد الله بوانو رئيس الفريق البرلماني للحزب الحاكم، الذي من المفروض أن يمثل رأس القطب المعارض بالمجلس الحضري لمكناس، المدينة التي أوصلته إلى ما وصل إليه الآن. أصبح مترفعا عن القيام بهذا الدور لان موقع المعارض لم يعد يتلاءم مع منصب سعادته الجديد، ولكونه تعود على “تخراج العنين و الحنجرة ” حصريا أمام كاميرات التلفاز وانعدامها يعني غيابه. فمتي سيعمل المجلس على جلب قناة ما، لتقوم بتغطية أشغال دورة ما، عندها سيتسنى للمكناسيين معاينة نائبهم المحترم وهو “يجفل” كما عودهم أيام النضال وأيام الضحك على الذقون. وحتى زملائه في الحزب لم يعد يسمع لهم حس، وأصبح الكل يغرد وفق مصلحته. ولا ندري هل يعلم رئيس الحكومة أن إخوانه خانوا العهد وانضموا إلى حزب التمسايح و العفاريت أم لا ؟ إن كان لا يعلم فليستفسر رئيس فريقه في مجلس النواب لمعرفة مآل حزبه والسمعة التي أصبحت ملتصقة به. فإن أراد السيد رئيس الحكومة أن يقيم شعبيته بمكناس كما فعل في الدشيرة و الدرعة ندعوه لزيارة المدينة ليتأكد هل إخوانه ما يزالون على العهد أم “باعوا المتش” أو باعوا مكناس كلها. وما يقال على بوانو يقال على باقي برلماني مكناس الغائبون الذين لم يسجل عقدهم ولو اجتماع واحد مع الساكنة طيلة ولايتهم.
فمدمنا أخدنا على عتقنا لعب دور المعارضة إلى جانب ثلة من الصحفيين الشرفاء لشؤون التسيير و التدبير بالجماعة الحضرية لمكناس. وما دام كلام رئيس المجلس البلدي خلال دورة فبراير الأخيرة عبارة عن در الرماد في العيون، وأن المبررات الغير مقرونة بالدلائل لاتسمن و لا تغني من جوع. وما دمنا ذكرنا في مقال سابق عندما تحدثنا عن تحويل الأرضي من العام إلى الخاص من أجل تفويتها، و أعطينا مثالا على ذلك تجزئة “رأس أغين” بناءا على مذكرة عرض حول بيع القطع الأرضية التابعة لتجزئة رأس أغيل توسيع المتعلق بالشطر الأول والثاني من الرسم العقاري 8829/ك والشطر الثالث ذو السند العقاري 2076/ك. لنؤكد أن كلامنا بالدليل و البينة ولنجدد ما قلناه سلفا هذا برهاننا فاتوا ببرهانكم إن كنتم صادقين.
ولنبدأ بأول ملف من الملفات الساخنة التي ستشد انتباه المكناسين لا محال وترفع مستوى حديثهم من مجرد الكلام عن أن النائب فلان أزال الأرصفة الحجرية ونقلها إلى مدينة الشاون، أو أن النائب فلان يستغل نقط “فيدليو” التي تمنحها اتصالات المغرب لمنخرطيها واستغلالها لمأربه الشخصية، أو أن النائب فلان من المحتمل أن يكون قد غادر التراب الوطني بشكل نهائي وهو ما لم يستطع الرئيس تأكيده أو نفيه، أو أن النائب فلان يستغل علاقتة بإحدى المسؤولات بمرفق جماعي ليدير نشاطه في مجال الذبيحة السرية، أو أن النائب فلان قد حظية بتمرير اتفاقية شراكة لجمعية موالية له في مجال التبريد و نقل الذبائح، أو أن فلان على وشك أن يصبح سفيرا للجماعة لكثرة سفرياته للخارج وهي من مكرومات الرئيس عليه رغم أنه من جناح المعارضة … الخ. إلى مواضيع اكبر، والتي لا يقتصر الخوض فيها ساعات فقط، بل لأيام. تجزئة “رأس اغين” هي تجزئة محايدة لمسجد محمد السادس بمكناس. تمت تجزيئها إلى فيلات بطريقة تدعو إلى الشك و الريبة هذا هو السبب الذي جعلنا نسط الضوء على هذا الموضوع و الذي سنطرح من خلاله مجموعة من علامات الاستفهام، و على من يهمه الأمر التوضيح للرأي العام ما يجري. كما أننا سنعمل على كشف الطرق التي تمت بها عملية البيع، وعمليات المزاد العلني المتعددة و سنعمل على تفسر هذا الأمر. كما سنعمل على ذكر المستفيدين من هذه التجزئة من رؤساء مصالح بالجماعة الحضرية والمصالح الخارجية، والأثمان التفضيلية التي تم أدائها من أجل الاستفادة، وكيفية التي تمت بها الاستفادة وبأية طريقة ومن هم المستفيدون؟ هي أسئلة وأخرى سنعمل على الإجابة عليها في مقالنا القادم.
… يتبع