يبدو أن مظاهر الحملة الإنتخابية السابقة لأوانها بمكناس تأبى أن تنتهي في غياب رادع يضرب بيد من حديد كل مخالف للقانون، خصوصا مع اقتراب الاستحقاقات الجماعية والجهوية التي ستشهدها بلادنا شتنبر المقبل. فبعد الضجة التي خلفتها عملية توزيع “قفة رمضان” التي لا تتجاوز كلفة محتوياتها 60 درهم، ببعض الأحياء الشعبية بالمدينة، من قِبل ثلة من جمعيات المجتمع المدني المحسوب أعضائها على بعض الأحزاب السياسية، والتي لقيت استهجانا واستنكار لا من طرف الموطنين، ولا من طرف الخصوم السياسيين، على اعتبار أن هذا السلوك يعد استغلال سافرا لضعف وحاجة شريحة واسعة من المواطنين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر والهشاشة، وأن العملية في حد ذاتها لم تكتسي الطابع الإنساني والاجتماعي، بل هي وسيلة أُريد من خلالها استمالة الناخبين باستغلال أوضاعهم وفقرهم وحاجاتهم. شرع بعض المستشارين الجماعيين في ابتزاز بعض المستخدمين التابعين لشركات التدبير المفوض تحت طائلة الطرد مما ينبأ بحملة انتخابية قادمة تنعدم فيها الأخلاق.
فنهج مثل هذه الأساليب من قِبل هذه الأحزاب ينم عن ضعف أطرها في ممارسة عملية التأطير وإقناع المواطنيين ببرنامج حزبهم الانتخابي، إن كان لديها في الأصل برنامج انتخابي يرقى إلى انتظارات الساكنة. فليس فقط موضوع “قفة رمضان” وما يدور حولها هو الدافع وراء طرحنا لهذا الموضوع، بل المسألة أكبر بكثير، إن لم نقل أنذل وأمر. فمادمنا بمكناس فكل تجاوزٍ مباح، وكل استثناءٍ مبدأ، وكل شادٍ قاعدة. فالمدينة أصبحت موطن التجاوزات والاستثناءات والشدود السياسي بامتياز. والدليل ما أصبحنا نسمع عنه من ابتزاز للموظفين ولمستخدمي الشركات التابعة للمرفق الجماعي بعقدة التدبير المفوض من قبل مستشارين لدعمهم ومساندتهم والتصويت لهم خلال الاستحقاقات المقبلة.
هذا السلوك الذي يُعتبر لا أخلاقيا ويجعل هؤلاء المستخدمين بين مطرقة رغبات المستشار الجماعي وسندان ضياع منصب الشغل. ليتضح بما لا يدع مجالا للشك، على أن هؤلاء المستشارين الذين اجتمعوا في حزب شعاره النهيق والركل مصرون على تلويث حقل التنافس السياسي، وزرع ثقافة اليأس والتيئيس في صفوف الناخبين من عملية انتخابية يعتبرها المكناسيين الفرصة الأخيرة لتنظيف مدينتهم من نتانة الفساد التي فاحت رائحته وأصبح يزكم الأنوف. هو سلوك تنهجه بعض طفيليات العمل السياسي بعدما خولت لهم مناصبهم في تدبير الشأن المحلي الفرصة ليرتاعوا فسادا وعبثا وينهجوا كل طرق الشطط في استعمال سلطاتهم دون ادني اعتبار للقانون، ولا حتى لاستقلال المواطن، وحرية اختياره لمن ينوب عنه في تسيير الشأن المحلي.
إن سلوك بعض المستشارين في هذا الشأن، لا يسيء لوحده للمدينة وسمعتها المتجدرة في التاريخ بقدر ما يؤثر بالسلب على المشهد السياسي برمته. وإتباع مثل هذه الممارسات قد ينتج عنه إفراز مجلس مبلقن لا يساعد على ترجمة إدارة المواطن المكناسي كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الحالي، الذي تميزت ولاية تسييره بانفجار جملة من الفضائح المرتبطة بالتسيير والتدبير. فهل ستنطوي على المكناسين الخديعة مرة أخرى كما في السابق، ويسلموا رقابهم لأشخاص ألفوا نهب خيرات هذه المدينة؟ ألم يحن الوقت بعد أن يستفيق المكناسيون من سباتهم ويختاروا الأجدر لتمثيلهم في ولاية لا تتكرر إلا كل ست سنوات ؟
هي عملية لا بأس أن نخوض في تفاصيلها لنوضح أن الناخب المكناسي يتحمل النصيب الأكبر في الحالة المزرية والمتردية التي وصلت إليها المدينة عندما يمنح صوته لمن لا يستحق. ولن أتكلم هنا عن المقاطعين أو حتى عن الرافضين لعملية التسجيل في اللوائح الانتخابية لأن هذا السلوك يدخل في باب التنصل من المسؤولية الوطنية، ويعتبر موقفا سلبيا شاذا، وتخليا لا مبرر له لواجب الوطن علينا والمتمثل في تزكية النزهاء والشرفاء، وقطع الطريق أمام الفاسدين والمفسدين وناهبي المال العام. ولسنا هنا لإعطاء الدروس والموعظ كما قد يعتقد البعض، بل لنذكر أن التغيير ممكن والطرق إليه لا يمكن أن يتحقق إلا بالمشاركة الفعلية، وليس بالعزوف والتباكي على الأطلال. وحتى الناخب الذي يزكي منتخبا ما تحت مبرر أنه يسدي له معرفا أو خدمة أو مصلحة ما، ومن الواجب عليه بالمقابل أن يصوت لصالحه، هو منطق خاطئ وغير سليم، وصورة من صور الأنانية التي أوصلت المدينة إلى ما وصلت إليه الآن. فيكفي الناخب وفق هذا المنطق أن يتعامل مع ألف منتخب مثلا يضمن بهم مقعدا في التسيير ليتحكم بعد ذلك في مصير مئات الألف من المواطنيين. أفلم يئن الأوان أن نقطع مع أنفسنا وعدا نحن المكناسيين ونضع حدا لهذا المنطق الذي لن يزيد مدينتا إلا ضياعا وانحطاطا وتهميشا ؟…
فؤاد السعدي – الجريدة