توصلت “الجريدة” بتقرير خطير وصادم عن المهزلة والعبث الذي وصل إليه تسيير وتدبير مجموعة من القطاعات الحيوية بمدينة مكناس. التسيير الذي تولى زمامه ثلة من الانتهازيين ممن تولوا تدبير شؤون المجلس الحضري. وحتى وإن أماط هذا التقرير اللثام عن سوء تدبير الرئيس ونوابه وأكد مسؤوليتهم دون غيرهم عن الأوضاع المزرية التي وصلت إليها المدينة، إلا أننا لا نستثني بذلك المعارضة الصم البكم من المسؤولية، على اعتبار موقفها السلبي، ووقوفها موقف المتفرج لكل ما يقع بمكناس من عبث و تيسب. موقف مهما استفسرنا عن أسبابه، يبقى في الأول والأخير مخيبا لآمال المكناسيين، فكما أن للمعارضة ثمن، فكذلك لسكوتها ثمن آخر. ويبقى أمر إخراس المعارضة هو الشيء الوحيد الذي انتصر فيه الرئيس، وعرف كيف يسكت معارضيه. ولعل المطلعين على شؤون وخبايا المجلس يعرفون جيدا أساليب الرئيس ونوابه في إسكات الأصوات النشاز التي تُحيل بينهم وبين بلوغ مصالحهم. فهذه الأصوات حتى وإن تعالت فليس لمصلحة المدينة كما يعتقد البعض، بل لكي تقول ” اعطيني حقي”.
وما كان أمام هذا المعطى الغريب الذي انتهجته المعارضة سوى قيام بعض الأقلام الصحفية بدورها في كشف الحقائق، وفضح الدسائس التي تحاك ضد هذه المدينة و ساكنتها، والبحث عن الحقيقة بكل موضوعية وحياد. فتثني إذا استوجب الموقف الثناء وتنتقد إذا فرض الأمر الانتقاد. وما سنعرضه خلال سردنا لمجموعة من الفضائح المرتبطة بالتسيير والتدبير لا يستوجب الانتقاد فقط بل المحاكمة على ما تم اقترافه في حق هذه المدينة المكلومة التي لم تنجب إلا أبناء شعارهم العقوق لصاحبة الفضل. وهذا أكثر ما يحز في النفس أن يكون أبناء المدينة هم أول المفسدين فيها فماذا سيتركون للغرباء ؟
التقرير الذي سنكشف تفاصيله يخص مجموعة من القطاعات الحيوية بالجماعة الحضرية وسنخصص أولى الحلقات لقطاع التدبير الجبائي و قطاع النقل. وكيف استفاد الرئيس وبعض من نوابه المقربين الضالعين ممن خبروا الصغيرة قبل الكبيرة في المجلس. ولا نذكر ولاية واحدة لم يكونوا في موقع المسؤولية فيها منذ أزيد من عشرين سنة.
ومن هنا سنفرد أولى حلقات هذا المسلسل للرئيس ونائبه السادس المسؤول عن القسم التقني، والموضوع سيكون عقد التدابير المفوض الذي تم بموجبه إسناد مرفق النقل الحضري، والمكناسيين يعرفون جيدا الشركة التي تولت زمام هذا القطاع الحيوي. فكلما ذٌكر اسم هذه الشركة تَذكر ناس مكناس الموت والخوف والرعب والإعاقة، فكم من روح بريئة أزهقت، وكم من تلميذ أو طالب عوض أن ينتهي به المطاف وهو يمتطي حافلة ما، بقاعة الدرس أو بمدرجات الجامعة ينتهي بقسم المستعجلات أو بمستودع الأموات وإن نجى فإنه لا يسلم من بلطجة المراقبين.
إن طائلة المسؤولية هنا تقع على عاتق من رخص لهذه الشركة دون غيرها، و لم يُكلف نفسه بعد ذلك عناء متابعتها ومراقبة مدى تطبيقها لبنود الاتفافية المبرمة بينها وبين الجماعة وفقا لما ينص على ذلك القانون المنظم للتدبير المفوض، “والفاهم يفهم”.
وكما هو معلوم فتدبير مرقف النقل الحضري بمكناس كان قد أسند لإحدى الشركات الخاصة بموجب اتفاقية امتياز النقل الحضري المبرمة سنة 2005 أي في عهد الرئيس السابق المعزول بلكورة و عبد الله بوانو مقرر الميزانية آنذاك عندما كان يدير شؤون الجماعة الحضرية لمكناس، والقيادي البارز حاليا في حزب العدالة و التنمية، وفي زمن الوالي السابق حسن أوريد، وكيف رفض هذا الأخير طلب عروض العديد من الشركات بالرغم من أنها كان متميزة ومتكاملة لصالح الشركة التي فازت بالصفقة. وما أحوجنا من أن يقوم النائب البرلماني بوانو بكشف أسرار هذا الاتفاق، وأشك أن يفعل لأنه ألف موقف المتستر، فكونه تستر حسب ما تم تدوله في العديد من المنابر الإعلامية، عن صفقة وزارة الشوباني التي فاز بها شقيقة، فلن يستطيع الخوض في حيثيات الصفقة التي خلفت ضحايا في صفوف أبرياء والتي يتحمل فيها المسؤولية المعنوية هو ورئيسه والوالي السابق في تلك الفترة.
هذا الاتفاق الذي عاد على الشركة بالخير الكبير خاصة بعد تولي المجلس الحالي زمام الأمور، وخاصة عندما تولى عراب المجلس السابق والحالي شؤون القسم التقني، وكيف تجلى كرمه على هذه الشركة فسخر لها كل الإمكانيات من مرآب ووسائل لوجيستيكية أخرى سنخوض في تفاصيلها مع توالي الحلقات. لتحقق هذه الشركة من الأرباح ما لم تكن تتوقعه. ولا أضن أن منح هذه التسهيلات سيكون من باب الحسنة وابتغاء وجه الله.
وحسب الإحصائيات فالشركة المكلفة بتدبير مرفق النقل الحضري فإن عدد مستعملي حافلات هذه الشركة في ارتفاع ملحوظ بحيث بلغ 7.627.895 راكبا سنة 2010 ، إلى 25.396.038 ركبا سنة 2011 ، إلى 34.182.480 ركبا سنة 2013 ، أي بمعدل يومي يقدر ب 93.650 راكبا. ويبلغ عدد الحافلات المخصصة لهذا المرفق 135 منها الكبيرة والصغيرة. وعوض أن تتحسن الخدمات بزيادة الإرباح يلاحظ العكس، والسبب أن المجلس الحضري لم يحدد العدد الأقصى من الحافلات التي ينبغي تشغيلها حسب كل خط، و أعطت بالتالي الحرية لشركة قصد ملاءمة هذا الأمر لقانون العرض والطلب. إذن من هذا المنطلق يفهم أن الجماعة أبرمت الاتفاقية ليس لصالح حاجيات الساكنة ومتطلباتها، بل من أجل عيون الشركة. هذا دون الأخذ بعين الاعتبار بنية الطرقية ومدى قدرتها على استيعاب هذا الحجم الكبير من الحافلات الأمر الذي يحد من حركية السير والمرور خاصة أثناء فترات الذروة. مع عدم الأخذ في الاعتبار تأثير الشبكة النقل على الجانب البيئي.
ولعل الدافع وراء ترك الشركة تصول وتجول، وتبحث عن الربح يأية وسيلة هو الطريقة التي تمت بها صياغة الاتفاقية، والتي طبعتها العشوائية والارتجال. فمن العار أن يتم توقيع الاتفاقية في غياب أي دراسة تتعلق بتشخيص واقع النقل الحضري، وتحديد الأهداف المراد انجازها، وأخذ بعين الاعتبار النمو العمراني و الحضري للمدينة. ما يفسر أن الاتفاقية تضمنت بعض البنود التي تمت صياغتها بشكل عام وغير دقيق و تفتقر إلى بعض المعايير التي تشكل أساسا مرجعيا قانونيا لمراقبة الشركة وكذا المقتضيات التي تساهم في حماية حقوق الجماعة وتدبير المرفق بشكل جيد. فمن ترك البنود تصاغ بشكل فضفاض يعرف جيدا ماذا يريد ؟ لإن الدقة في صياغة البنود يستوجب الخضوع والامتثال و الفضاضة تستوجب التأويل، وكل تأويل وله ثمنه و”الفاهم يفهم”. يتبع…