بدأت مكناس مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الجهوية والجماعية تستأثر باهتمام الأمناء العامين لبعض الأحزاب السياسية الذين يروا فيها “الكعكة” التي يجب الظفر بها، والقنطرة نحو تولي قياديين حزبين لمسؤوليات مهمة في الدولة، كما حصل مع عبد الله بوانو عندما بدأ مشواره سياسي نكرة ليصبح اليوم رئيس فريق برلماني للحزب الحاكم، وزميله في نفس مسار ” أكْل الغَلة ونعل الملة” صلاح الدين مزوار الذي صعد على أكتاف المكناسيين لتبوأ منصب وزيرا للخارجية والتعاون.
وحتى وإن اختلفت مسؤولية الاثنين في أسلاك الدولة، فكلاهما يوحدهما الجحود ونكران جميل مدينة مكناس وساكنتها. هذه المرة الحزبين اللذين يريدان أكل ما تبقى من “الغلة” هما حزبا الأصالة والمعاصرة و الاتحاد الدستوري، بعدما نزل أميناهما العامين بثقلهما، كي يكون الرئيس المقبل للمجلس البلدي لمكناس أحد من هذين الاسمين. فإما أن يكون وكيل لائحة “الحصان” الذي عُرف باستغلاله للمرفق الجماعي لأزيد من عقدين لتحقيق مأربه، ومأرب المقربين منه، وما تبقى من بقايا موائده يستفيد منها لاعقو أحذيته. وإما أن يكون وكيل لائحة “الجرار ” الوافد الذي فرضه الأمين العام للحزب رغم أنف القواعد الحزبية المحلية، وبعدما فشلت القيادة الجهوية في إيجاد شخصية يحقق الإجماع حولها، ليتأكد أن الشعارات التي رفعتها لم تكن سوى زوبعة في فنجان.
ويبدو أن قدوم هذا وافد “الجرار” إلى مكناس لم يبعثر فقط أوراق الأمين الجهوي فحسب، بل حتى قيادات بعض الأحزاب، خاصة عندما سارعت إلى الاحتجاج والتهديد بمقاطعة الانتخابات مانحة للموضوع أكثر من حجمه، وللرجل أكثر من قدره. وهو الذي لا يعدو أن يكون اسما عاديا لا يُذكر إلا مرة كل سنة. وذكره ليس مرتبطا لا بانجاز خارق، و لا بعمل بطولي، بل كونه مديرا للمعرض الدولي للفلاحة لا غير. وإن نجح هذا الملتقى وحقق صيتا دوليا، فهذا لا يعني أن مديره هو السبب، بل لأنه يحظى بالرعاية السامية التي تبوء أي نشاط مهما كان الرفعة والسمو والتألق.
أنه جواد الشامي الذي سبق له خوض أي نزال سياسي إلا مرة واحدة سنة 1997 بالدائرة الأولى بحمرية مني فيها بهزيمة نكراء أمام امحمد الناجي عن حزب الاتحاد الاشتراكي، ومنذ ذلك الوقت ابتعد عن السياسة لأنه فهم أن لهذا الميدان أناسه، والمجازفة بمنافستهم يعني الحكم ببقائه نكرة سياسية. ومع ذلك أرعب فطاحل السياسية بمكناس فسارعوا عبر وسائل الإعلام إلى التهديد بالمقاطعة تحت مبرر أن الرجل لا يحق له قانونا الترشح للانتخابات على اعتبار أنه معين بظهير ، وأن هذا التعين تنتفي معه مسألة الترشح للانتخابات. أوليس هذا هراء، ودربا من دروب العبث السياسي أن نمنع مواطن كيفما كان من ممارسة حق من حقوقه الدستورية، وهو الحق في الترشيح والتصويت ؟ أفلم تعي قيادات هذه الأحزاب أنها وضعت نفسها في موفق حرج وعبرت بتصرفها هذا عن دنوي مستواها ؟ فما قامت به ينم عن عدم نضجها سياسيا، وعدم قدرتها على نزال ومجارات الوجوه السياسة الجديدة حتى وإن كانت نكرة. ولم تستوعب أن إقدامها على هذا الأمر قد أسقطها في فخ الدعاية المجانية للوافد الجديد الذي عرف كيف يجاري هذه الهجمة الشرسة والدعاية في نفس الوقت بطريقة استصغر بها من يعتقدوا أنفسهم من طينة السياسيين الكبار، وما هم في الحقيقة إلا أشباه سياسيين استغلوا سذاجة المكناسيين في يوم من الأيام.
فمجريات الأحداث وتسارعها بالحاضرة الإسماعيلية يوحي بأن سيناريوهات الاستحقاقات الجماعية لـ 2009 ستعيد نفسها من جديد، على اعتبار أن نفس الوجوه هي من تحتل المراتب العشر الأولى لأغلب اللوائح الانتخابية المتنافسة، وهو ما قد يشكل إحباطا لذا الكتلة الناخبة الراغبة في تغير هذه الوجوه التي ارتبط تواجدها بدهاليز الجماعة بالنهب والعبث والفساد طيلة مدة تسييرها للشأن المحلي.
المضحك والمستفز في ذات الوقت، أن هذه الأسماء تسعى بشكل محموم ومتواصل وبإصرار لتجاهل مطالب المكناسيين، وتزييف وعيهم بهدف كسب المعاركة السياسية، والزحف باتجاه أطماعها، والرغبة في التسلط والأنانية المفرطة التي حولت الفساد إلى ثقافة ممنهجة قابلة للتطوير لا للتطهير. لهذا نراها تسعى دائما إلى تكرار تجربة التسيير دون إعطاء الحصيلة، متجهة بذلك نحو سياسة الوعود الكاذبة وشراء الذمم للظفر بحصتها من عدد الناخبين. فما يقوم به هؤلاء يذكرنا بمقولة “جيمي كارتر” عندما قال في إحدى مذكراته:” السياسة هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ بعد مهنة الدعارة، وتشتركان في أسلوب واحد في التسويق، فكما أن العاهرة تزين نفسها لجذب الزبائن كذلك حال السياسي”. فللمكناسي إذن أن يختار، إما أن يكونا زبونا للمومس، وإما سيد نفسه يختار من يراه الأجدر لتولي مهام شأنه المحلي والجهوي.
الخلاصة أن كلتا اللائحتين لا يوجد بهما من يستحق ثقة المكناسيين. فلائحة الحصان أغلب ما تضم سبق وان مارس تسيير الشأن المحلى، وفشل في تحقيق أمنية المكناسيين في جعل مدينهم ترقى إلى مصاف المدن الكبرى ، وكان حريا بهم اليوم أن يقدموا اعتذارهم للمواطن المكناسي لا أن يتسابقوا على المراتب العشر الأولى بدون استحياء لخوض النزال الانتخابي. والثاني، أي لائحة “الجرار ” التي لا يجب الوثوق بها مخافة أن تخذل المكناسيين كما فعلت في الاستحقاقات الجماعية الماضية. وعلى اعتبار أن هذا الحزب مارس الكذب والتضليل على المكناسيين بإيهامهم أنه هو المنقذ الرافع لشعار محاربة الفساد بمكناس، مبتدعا صراعات صورية مع الداخلية، ومتهما إيها بالتضييق على حقه في ممارسة دوره في التوعية و التأطير السياسي. والحقيقة أن هذا الأمر ما هو إلا مجرد تكتيك تعود أصحاب الفكر اليساري نهجه لخلق جبهة مضادة تبوئهم الزعامة والالتفاف الجماهري. وهو أسلوب لم تقتنع قيادته أن الظهر أكل عليه وشرب، وأصبح نهج آليات الوضوح والشفافية في مخاطبة الجماهير أمرا لا مناص منه. وأن السياسة يجب أن تمارس بأخلاق، وليس ووفق منطق الخداع وتغيير الحقيقة والواقع بحجج ومفاهيم خاطئة تعتمد على المراوغة والكذب والإحتيال. وإلا ماذا تقول القيادة الجهوية عندما ساندت مرشح حزب “الحمامة” خلال الانتخابات التشريعية 2011 سرا، وتنعت اليوم منتخبيه بالمفسدين جهرا عبر ما تسميه “اللقاءات التواصلية”. ألا يعتبر هذا مناورات بئيسة للضحك على ذقون المكناسيين واستبلادهم بمن فيهم مناضلو الحزب نفسهم… يتبع
فؤاد السعدي – الجريدة
priligy over the counter usa My only suggestion is that they could have a program like a payment plan to help cover the services