يأبى مسلسل الفضائح بجماعة مكناس، و المرتبط بمستشارين جعلوا من هذا المرفق العمومي وسيلة للاغتناء وحجز مكان مع أصحاب الملايير أن ينتهي. و لا ندري أسباب تأخر الوزارة الداخلية عن كشف نتائج عمليات التفتيش المتكررة. حتى كدنا نعتقد أن هؤلاء المفتشين أو قضاة محكمة جرائم الأموال بفاس أنهم أصبحوا جزءا من العاملين بالجماعة، لكثرت ترددهم عليها في مهمات رسمية. ألهذه الدرجة يستعصي عليهم الأمر لكشف الخروقات المرتبطة بالتدبير المالي، و التسيير الإداري. الأمر الذي جعلهم يستغرقون كل هذه المدة.
مؤخرا، تم استدعاء الرئيس واثنين من نوابه من قبل قسم جرائم الأموال بفاس، على خلفية الاشتباه في تبديد المال العام بعدما لوحظ أن خزينة الجماعة الحضرية لم تستفد من عائدات مالية تقدر ب 35 مليار سنتيم، نتيجة استهتار القائمين على الجبايات وتحصيل أموال الضرائب وواجبات الاكرية التابعة للملك البلدي، بالإضافة إلى وجود تواطؤات بينة مع المتملصين من أدائها، وتمرير بعض الصفقات في ظروف غامضة بالإضافة إلى استفادة احد المستشارين النافذين بالمجلس من دعم مالي هام من ميزانية الجماعة من اجل دعم مهرجان من طرف جمعية يترأسها المستشار المستفيد حسب ما خلص إليه تقرير المجلس الجهوي الحسابات. و قد طالبت في هذا الإطار، هيئات سياسية ومدنية بالمدينة بالإسراع بكشف الحقائق، و محاسبة كل من خولت له نفسه العبث بشؤون المدينة، و كل من كان وراء التجاوزات التي طالت التدبير الشأن المحلي الذي أصبح يوصف بالعشوائي و الفاضح.
موضوع الفساد الذي يستشري بالجماعة الحضرية لمكناس لا يقتصر فقط على الرئيس و نائبيه، المعرفيين لدى ساكنة مكناس. بل هناك مستشارا أخر لا يقل شأنه عن زميلاه. فهو أيضا من جيلهما وراكم الثروة مثلما راكماها، و ظروفه قبل أن يخوض غمار السياسية تشبه ظروفهما، حيث كان الفقر و الحاجة هما الغالبان، و خبر هو أيضا أصول “اللعب الكبير”. اللهم الفرق الوحيد بينه و بينهما هو أنه دائما متواري عن الأنظار لدرجة لم يسجل عليه طيلة ولاياته السياسية المتتالية، أن تدخل أو سُمع له صوت في أية دورة للمجلس منذ أول ولاية له سنة 1992 .
أما الموضوع المرتبط بهذا النائب، و هو للتذكير المصنف ثالثا بين نواب الرئيس. يتعلق بوثيقة هي عبارة عن قرار التفريض في مزاولة مهام يحمل رقم 5750 و ينص على تتميم و تحديد الاختصاصات المفوضة له فيما يتعلق بقسم الموارد البشرية، و هي مهمة الإشراف و إمضاء القرارات الداخلة في اختصاصات الرئيس المتعلقة بقسم الموارد البشرية لحساب الرئيس و تحت مراقبته باستثناء القرارات المتعلقة بالتوظيف و الإلحاق ومذكرات و قرارات تعين العمال و الموظفين. كما يفوض له كذلك حسب المادة الثانية من نفس القرار الالتزام بالنفقات و الحولات المتعلقة بالموظفين و العمال. لكن عندما نقرأ هذه الفئة التي تتحدث عنها هذه المادة من الموظفين و العمال نجد من ظمنهم الرئيس و المستشارين كأن هؤلاء يدخلون في باب العاملين بالجماعة. إذن ألم يلاحظ مفتشي وزارة الداخلية وسلطة الوصاية و السلطة المالية هذا الخرق السافر للقانون، أم أنهم لاحظوا ولم يعطوا للأمر أهمية ؟ مع العلم انه لم يسجل أن قام مراقبي الداخلية أو مفتشي المجلس الجهوي للحسابات بأية عملية تفتيش لهذا القسم الذي ينبأ بالعديد من الفضائح سنعمل على التطرق إليها في وقت لاحق. بمعني أن هذا النائب هو من يوقع على تعويضات الرئيس، و لذوي الحق من المستشارين. و هو من يرخص على مصاريف تنقل الرئيس و المستشارين داخل المملكة، و كذا مصاريف المهمات خارج الوطن. فمنذ متى كان يعتبر الرئيس و المستشارين موظفين بالجماعة حتى ينتظروا تأشيرة سعادة النائب لصرف مستحقاتهم؟ ومنذ متى كان نائب الرئيس هو من يرخص لرئيسه نفقاته و حولاته و تعويضات المتعلقة بالمهام داخل و خارج المملكة ؟ أيوجد أكثر من هذا العبث في مكان آخر، أم فقط في مكناس ؟ للإشارة فميزانية مهمات الرئيس و المستشارين تقدر سنويا بـمليونين 160 ألف درهم، و إذا ضرب هذا الرقم في أربع سنوات مدة التفويض أو المدة التي تولى فيها المعني زمام أمور هذا القسم أي منذ 2009 سيكون الإجمالي هو ثمانية ملايين و 640 ألف درهم هو المبلغ الذي ينحكم فيه هذا النائب. ألا تدفع ضخامة هذا المبلغ مفتشي الوزارة الوصية إلى القيام بعملية افتحاص لهذا القسم ؟
لايهمنا هنا الميزانية المالية لأننا سنخصص لها حيزا منفردا في المقالات القادمة. بل المسألة في الإشكالية القانونية، وكيف يستحمر هؤلاء المسيرون ساكنة مكناس. ولماذا لم يلاحظ مفتشي وزارة الداخلية سلطة الوصاية هذا الخرق الخطير الذي يعرض صاحبه للمسائلة. و أن يكون تحت طائلة العزل طبقا لمقتضيات الميثاق الجماعي الجديد 17.08 ، و إعمالا بمقتضيات القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، و بناء على الدورية عدد 5225 بتاريخ 16 يوليوز 2009 ، خاصة إذا تم تجاوز الاستثناء المذكور على أن الرئيس هو من يتولى شؤون القرارات المتعلقة بالتوظيف و الإلحاق و مذكرات و قرارات تعين العمال و الموظفين، وإلحاقه بباقي اختصاصاته أمام مرئ الرئيس. حيث يعمد صاحبنا إلى توقيع قرارات الموظفين وفقا لما تمليه مصالحه الشخصية. فأمور رئاسة الأقسام والمصالح لا تخضع لمعايير المصلحة العامة و الكفاءة المهنية. بل بالعكس مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمصالح الذاتية ليس لأهوائه وحده بل لكافة نواب الرئيس. ولكم في من تعاقب على المصلحة الاقتصادية وعددهم خمسة في ظرف زمني قصير خير دليل. فإذا كان الموظف المحضوض من موالين و الأحباء، شمله رضى و كرم نائب الرئيس، وأغدق عليه بتوقيع ينقله بلمح البصر من مجرد موظف عاد إلى رئيس قسم أو مصلحة. فطوبى من كان نائب الرئيس الثالث حبيبه.