يظل المجلس البلدي لمكناس مهما قيل عنه من سوء نصب أعين مرشحي الأحزاب المتنافسة لما يوفره من امتيازات يسعى الجميع للحصول عليها، وأقصد بالجميع الذين لديهم رغبات اكبر من الإمكانات التي يتمتعون بها. فيضطرون بهذا لتعويض هذا النقص عن طريق توزيع الوعود الكاذبة، والضحك على عقول المواطنين واستغلال سذاجتهم.
فتصريحات وكيل إحدى اللوائح الحزبية وخرجاته الإعلامية خلال الحملة الانتخابية الجماعية والجهوية بمكناس، فاقت كل التوقعات، وتجاوزت كل الحدود، خاصة بعدما وعد أحد الوزراء الذي هو في أصل ابن مكناس ساكنة مدينته وعودا تدخل في باب أحلام اليقظة، كجلب الاستثمارات الوطنية والأجنبية للمدينة، وخلق مناصب الشغل لفائدة الشباب، وبناء قطبين صناعيين واحد لتصنيع السيارات، والآخر لصناعة المواد الغذائية، وجعل مكناس “قوة اقتصادية” لها حضورها في النسيج الاقتصادي المغربي… بعد طول غياب، كان قد اختفي خلالها عن الأنظار منذ سرقته لمقعد برلماني لانتخابات 2011، ولم يحضر إلى مكناس حتى لمحطات حزبه الكبرى. ولعله دليل على استخفافه ليس فقط بأهل مكناس، بل حتى بمناضلي ومناضلات حزبه. فأين كان طول هذه المدة ليأتينا اليوم بهذه الحزمة من الأوهام والأكاذيب ويبيع الوهم للمكناسيين كما فعل البارحة؟ الوزير “البانضي” يعتقد أن حيلة اليوم ستسري على أهله كما الأمس، لكن هيهات. لأنه بالأمس جاء ممدود يدين عازفا على وتر ابن مكناس، ومتأكدا أن المدينة لا تخذل أبنائها. وعوض أن يرد جميلها، تنكر لها واختفى، وخلف ورائه تذمرا وسخطا كبيرين في صفوف الساكنة عليه، وعلى حزبه، رغم المساحيق التي ما فتئ بعض الشباب يستعملونها لتلميع واجهته وإكسابها الشرعية الأخلاقية، غير واعون أن ما يقومون به يفقدهم المصداقية هم أنفسهم، على اعتبار أن تاريخ الحزب بمكناس كان دائما مرتبطا بشرذمة من المناضلين تعاقبوا على تسيير الشأن المحلي، واعتوا فيه فسادا وعبثا فيه ومنهم من أكل الغلة وهرب، ومنهم من لا يزال متابعا بملفات الفساد أمام محكمة جرائم الأموال بفاس. وأن الدعوات التي يطلقها بعض الشباب الحالم من قبيل تنظيف البيت الداخلي هي فقط تسويق للأوهام ليس إلا. فعن أي مصداقية نتكلم، مصداقية اليوم أم مصداقية البارحة؟
وحتى لا نتهم بالتحامل على هذا الحزب دعونا نحتكم إلى روح العقل و المنطق، ونرجع بالذاكرة إلى الوراء وبالضبط عندما قرر رئيس هذا الحزب الترشح في الانتخابات التشريعية 2011 كان لازما عليه البحث عن ممول لحملته، وفي نفس الوقت عن واجهة جديدة يضمن بها مقعدا بالبرلمان بعدما وصلته تقارير تفيد على أن الاعتماد على “مسامر الميدة” هو مجازفة قد تكلفه الكثير. وفعلا كانت حساباته على المقاس وحقق المبتغى، بالمقابل حصل برواز حملته أنداك على “الهدية”، وهي تمكينه من مفاتيح الحزب بمكناس، لتأتي “النعرة الشباطية” التي عجلت بتشكيل الحكومة رقم 2 ارتقى خلالها رئيس الحزب إلى منصب وزير، وترك منصب البرلماني “للبرواز” ويصبح بالتالي أول سياسي يفوز بمقعد برلماني بضربة الحظ. غير أن طموح “الفتى المحظوظ” أو بالأحرى طموح من يحركه لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه ليصبح رئيسا للغرفة التجارية والخدمات لجهة فاس- مكناس، ووكيلا للائحة في الانتخابات الجماعية في تراكم غريب بين التمثيليات الوطنية والمحلية والمهنية، مما يعيق تفعيل دوران النخب ويحد من خلق وابتكار أفكار تدبيرية جديدة. وكأن الحزب يخلو من مناضلين شباب تمنح لهم الثقة في تمثيله. وما إن كان هذا حزبا أم ضيعة. ويتضح بما لا يدع مجالا للشك أن العزف على وتر تجديد النخب بكفاءات شابة داخل هذا الحزب ما هو إلا در الرماد في العيون، وأن ممارسات الأمس لا تختلف عن مناورات اليوم التي يتم فيها استغلال ثورة الشباب وحماسه.
ولعل هذه الممارسات هي التي أرخت بظلالها على المشهد الحزبي بالحاضرة الإسماعيلية، وأصبح الرأي الغالب ألا ثقة في هؤلاء، وان يوم المحاسبة قد اقترب، وآن الأوان ليتحمل الجميع المسؤولية، لقطع الطريق أمام من يستغل أحلام شباب مكناس الطامح لتغيير مدينتهم إلى الأحسن.
ومن المفارقات كذلك أن يختار هذا الحزب شعارا لحملته الانتخابية “جماعتي، مسؤوليتي” ووكيل لائحته لا يمت بأية صلة لهذا الشعار على اعتبار أن ابسط المسؤوليات داخل المجلس البلدي كانت تقتضي منه حضور دوراته ومناقشة ميزانيته باعتباره كان مستشارا جماعيا. فالمدلل لم يسجل عليه حضوره ولو دورة مجلس واحدة خلال ولاية كاملة، فأين هي المسؤولية التي ينادي بها إذن؟ وماذا ينتظر المكناسيون من مرشح يستعر حتى من حضور اجتماعات يُقرر فيها مصيرهم مصير مدينتهم؟ ناهيك على أن ذات اللائحة تضم مرشحين متابعين قضائيا بالمحاكم العادية ومحاكم جرائم الأموال، ومرشحين دخلوا غمار السياسة لتصفية حسابات شخصية.
هي الحقيقة التي يجب على المكناسيين معرفتها ليحسنوا الاختيار، فإما أن يكون الرابع من شتنبر يوم التغيير، أو يوم بقاء الحال على ما هو عليه. فأصوات المكناسيين ليست للبيع ولا للشراء، وحتى إن بيعت ذمم البعض منهم من السذج وأصحاب الضمائر الميتة، فشرفاء مكناسة ورجالاتها والغيورين علها كثيرون وهم من سيختار الأجدر والأصلح ليحدثوا التغيير المنشود وأن موعد رد الاعتبار قد حان هو امتحان إذن قد يعز فيه المكناسي أو يهان؟… يتبع
فؤاد السعدي – الجريدة