عصام الطالبي / الجريدة
لعل المطالبة الشعبية الأخيرة بإلغاء ” تقاعد” الوزراء والبرلمانيين التي تفاعل معها المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، أخذت البعد المتوخى منها وأصبحت تشكل إحراجا للحكومة والبرلمان بغرفتيه بل و للفاعلين السياسيين، حتى صارت قاب قوسين أو أدنى من تحولها إلى مشروع قانون يُناقش داخل قبة البرلمان خصوصا عندما تمت مقايضة هذا المطلب بمشاركة المغاربة في عملية التصويت في الاستحقاقات التشريعية خلال شهر أكتوبر المقبلة على اعتبار أن البرلمانيين والوزراء لا يمارسون مهنًا، بل مهمات سياسية وواجب وطني لا تتطلب معاشات.
ومما زاد الطين بلَّة خرجات بعض الوزراء الهواة الذين أتت بهم الصفاقات والإرضاءات الحزبية إلى كراسي الوزارات، كوزيرة “2 فرانك” التي اعتبرت النقاش حول هذا الموضوع يعدّ ترهات، لتجد نفسها في مرمى انتقادات واسعة لم تملك معها غير الاعتذار. ووزيرة “22 ساعة من العمل”. وسبقهما وزير “الكراطة”، ووزير “الشكلاطة”، والوزير الذي أعد لنفسه سريرا بداخل مكتبه بحجة أنه لا يغادر مقر عمله لتتحول إلى مادة دسمة للسخرية على شبكات التواصل . مما يبرهن على تشبت ممثلي الشعب بجوج فرانك بعد نهاية ولايتهم التشريعية، هنا وجب علينا الحياد في التحليل، هذا التقاعد او المعاش يجب معالجته من الناحية القانونية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأخلاقية، فلو طرحناه في جُبِّ مما ذكرنا لخلُصنا إلى إلغائه لاعتبارات عِدة سنأتي على ذِكرها. فالظهير الخاص مثلا بمعاشات الوزراء، الصادر عام 1975، غير منشور في الجريدة الرسمية، بمعنى أنه من الناحية القانونية، معاشات الوزاراء غير قانونية لأن أيّ نص قانوني يستلزم النشر كي يحدث أثرًا. أما من الناحية السياسية، ففي ظل حكومة ترفع شعار الشفافية، لا يوجد أي تقرير رسمي يقدم لنا الأرقام الحقيقية لعدد الوزراء أو عائلاتهم التي تستفيد من المعاش. أما من الناحية الإقتصادية يكمن في مستوى العجز الذي لحق الصندوق المغربي للتقاعد، والذي اختارت الحكومة في إصلاحه مقاربة أحادية، بحيث ذهبت إلى الرفع من سن تقاعد المواطنين بداية من مطلع 2016 إلى 62 سنة ورفعه تدريجيًا بستة أشهر كل سنة ليصل إلى 65 سنة ابتداءً من أول يوليو 2022. فأين تلك الوعود التي أطلقها بنكيران وحزبه لمحاربة الريع؟
فإذا كانت رئاسة الحكومة تتبجح بإصلاح منظومة التقاعد وتجفيف كل منابع الريع السياسي بشتى الطرق التي كانت على حساب القدرة الشرائية للمواطن، فلم لا يتم التركيز على معاشات أفراد انتدبهم الشعب لخدمة المصالح العامة للبلد لفترة محددة؟ فحال حكومة بنكيران وأغلبيته داخل البرلمان ينطبق عليه المثل الشعبي “الفقي لي نترجاو بركتو دخل للجامع ببْلَغتو”. كنا ننتظر من نخبنا السياسية التنازل عن هذه التعويضات، لكن على العكس، وجدناهم يصوّبون كل سهامهم للإبقاء عليها. لقد كانت الفرصة مواتية لوزراء المصباح وبرلمانيه الركوب على هذا المطلب الشعبي وإعطاء النموذج للشعب في التضحية لأجل الوطن والسعي لخدمة المواطنين الذين منحوهم الثقة عندما رفعوا شعار محاربة الفساد واقتصاد الريع حتى يكونوا العبرة والاقتداء.
فكانت مطالبة الحكومة بإلغاء معاشات الوزراء والبرلمانين بمثابة الصياح في القبور. وتتأكد ازدواجية حزب العدالة والتنمية في الخطاب والمبادئ. فكيف يعقل لدولة اقتصادها هَشّ ويعاني التذبذب، صناديقها تعاني العجز، وتعيش على القروض والمساعدات تخصص لوزرائها وبرلمانيها معاشات مريحة وتطالب الشعب بالتقشف.