استطاع رئيس جماعة مكناس منذ توليه مهام تسيير وتدبير المرفق الجماعي أن يحقق ما لم يستطع سلفه تحقيقه، وأن يجمع المكناسيين على كلمة سواء هو أن مستوى تسيره للشأن المحلي عرف أقصى مستويات العبث والاستهتار والفوضى. ووصلت رائحة الفساد حتى مختبرات العاصمة الرباط، وأضحى حلول رجال جطو و لجن التفتيش التابعة سواء لوزارة الاقتصاد والمالية أو لوزارة الداخلية، و قضاة محكمة جرائم الأموال لدواليب أقسام الجماعة الحضرية شيئا مألوفا واعتياديا.
ولاية عرفت انفجار العديد من الفضائح والمتابعات القضائية سواء تعلق الأمر به أو ببعض من نوابه. في عهده غرقت ميزانية الجماعة في الديون بسبب نهجه لأسلوب شراء ذمم بعض مستشاريه ومحابات البعض الأخر ، حتى أصبح المجلس تتحكم فيه شرذمة من المستشارين يتبنون أسلوب العصابات في إدارة شؤون المدينة وساكنتها. ليستحق هذا المجلس دونا عن سابقيه العلامة الكاملة، و يلج قوائم الأرقام القياسية لموسوعة “غينيز” في الفساد. لقد استطاع هذا الرئيس ومن زكاه لخوض غمار السياسة بمكناس أن ينجح في تأسيس مسلك خاص بشُعَبِ الفساد والعبث وسوء تسيير وتدبير الشأن المحلي. ولو تخيلنا أن لهذا الفساد رائحة لأصبحت مكناس مهجورة من سكانها.
لكن الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب والتساؤل، الصمت المطبق على مجموعة من ملفات الفساد، ولا أحد من مسؤولي المدينة يحرك ساكنا. الشيء الذي يُستنتج معه أن مكناس لم تعد تحتاج لا للجن التفتيش، ولا لقضاة محكمة جرائم الأموال، بل إلى زيارة ملكية تردع كل من سولت له نفسه المساس بالحاضرة الإسماعيلية. فما هي الانجازات التي حققها رئيس المجلس البلدي لمكناس على مدار ولاية كاملة، والتي تميزت بمتابعات قانونية في حق بعض من نوابه من جهة، وفرار آخرين من أيدي العدالة من جهة أخرى، غير سفرياته العديدة على حساب المال العام والتي يحقق فيها مآربه. ففي عهده أصبح الملك العمومي مستباحا، والصفقات والشراكات التي تبرمها الجماعة تحت طائلة الشبهة القانونية، وكراء المرافق العمومية لا يخضع لأية ضوابط قانونية، وعطايا ومنح الجمعيات مرهون بمدى ولائها له أو لأحد من نوابه، والشطط في استعمال السلطة من أساليبه، وميزانية المهرجانات وكل ما ارتبط بـ”البندير” وهز الأرداف تمنح إرضاء ومحاباة، والتوقيع على المذكرات الانتقامية والارضائية لا يخضع لمنطق القانون بل إلى تصفية الحسابات، وتشيع ثقافة الريع تكون لنيل أصوات إضافية في الحسابات الإدارية والقائمة طويلة لا يسع المجال لسردها.
خلاصة القول، أن تسيير الرئيس ونوابه للشأن المحلي ساهم في إفراز شكل هجين من الإقطاع، أو من البورجوازية من داخل المجلس، والتي لا ترى في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية إلا وسيلة لإعداد مشاريع وهمية، أو شبه وهمية، تساعد على نهب الموارد لصالحها، وتساعد على توظيف كل أشكال الفساد الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي بالمدينة، و هو ما يعني أن التنمية حاضرة، و لكن بشكل مقلوب. لكن الأمر الأشد غرابة هو أنه رغم كل ما قيل، نرى تهافت بعض الأحزاب على هذا الرئيس من اجل أن يؤثث للوائحهم الانتخابية، والأكثر من هذا أن هناك بعض منها يخاطب وده ليتربع على عرش قوائمها الانتخابية، ولكم في موقف حزب الأصالة والمعاصرة النموذج، عندما اعتبره ضيف فوق العادة، ورفعه ليعتليَ منصة الشرف بجانب رئيس الحزب أثناء مهرجان “الجرار” الأخير الذي أقيم بمكناس . ليتضح مدى ازدواجية الخطاب السياسي لدى أطر هذا الحزب الهواة، وسعيهم إلى ضم رجل انتهت صلاحياته السياسية. ولا نريد أن نذكر المكناسيين أن هذا الحزب هو من كان وراء إعادة هذا الشخص إلى مضمار السياسة بعدما خفت نجمه ودخل في ذاكرة النسيان.
لقد دنس الرئيس والمواليين له من النواب العمل السياسي والحزبي بالمدينة، بعدما ضلوا جاثمين على رقاب المكناسيين لسنوات، أتو فيها على الأخضر واليأس. وليغلقوا باب الأمل في إعادة الاعتبار لهذه القرية الكبيرة التي تسمى مكناس بعدما تم القضاء على معالم التمدن بها. فهل يقبل المكناسيون أن تعاد سيناريوهات إنتخابات 2009 التي لم تفرز سوى منتخبين ربطوا الوصال منذ توليهم تدبير الشأن المحلي مع الانتهازية ؟ هل ستستمر معانات المواطن المكناسي مع الفوضى والاستهتار والعبث الذي تدار به دواليب شأنه المحلي ؟ هل سيبقى الفساد الماركة المسجلة لمدينة مكناس وفيما إذا كان سيتم تجديد الثقة في رُعاته؟..
فؤاد السعدي – الجريدة