عصام الطالبي / الجريدة
تبقى مهنة الصحافة بكل تلاوينها الالكترونية والمكتوبة الوحيدة التي يحتاج ممتهنوها من الوقت للأخر الوقوف وقفة تأمل من أجل عرض ما تحقق، وما استعصى تحققه. وما الأسباب التي حالت دون بلوغ الأهداف التي تم تسطيرها، إن وجدت هذه الأهداف أصلا. لأن نزع ثوب الصحفي، وارتداء عباءة الناقد لدور هذا الصحفي قد يجنبنا خطر الوقوع في انزلاقات لا نتوقع نتائجها. وتضعنا أمام أنفسنا أولا، وأمام الدور الموكل لنا أن نلعبه. فإما إن نرقى بالوعي الاجتماعي، وإما أن ننزل به إلى الحضيض.
وفيما إن كنا قد وفقنا في تبليغ الرسالة المرتبطة بنشر الوعي بين المواطنين عن طريق بعث إشارات ايجابية على أن الجرأة العقلانية المتزنة البعيدة عن منطق الاستفزاز في تناول المواضيع و الأحداث المجتمعية هي أولى الخطوات في مشوار زرع الثقة وروح المواطنة بين أفراد المجتمع. وأن التستر بالمقابل على أمر أو حدث أو محاولة الالتفاف عليه لإرضاء رغبات مسؤول أو هيئة ما، لن يخدم في شيء الرسالة الإعلامية التي تعتمد على منطق تقديس الخبر وحرية الخوض في تداعياته وأسبابه. بل بالعكس سيبخس المهنة ويفرغها من محتواها الذي وجدت من أجله. وتبقى من جملة المؤشرات السلبية للممارسة الصحفية هي التجاوزات الأخلاقية للمهنة وعدم إدراك قيمة أن تكون حاملا لضمير مهني قادر على التأثير، ويتضح ذلك في عدد من المظاهر قد لا يسع المجال لذكرها كلها، بل سنقتصر على سرد بعضها فقط، كنشر معلومات غير دقيقة، أو لم يأذن المصدر بنشرها، والنقل عن المواقع الإلكترونية دون الإشارة إليها، وتوظيف العمل الصحفي في البحث عن مصادر دخل إضافية دون مراعاة لقواعد مهنية مرتبطة بالأخلاق. ويبقى أهم مؤشر سلبي للممارسة هو تدني مهارة الكتابة الصحفية لدى معظم ممتهني الصحافة. وربما هذا هو السبب الذي يجعلنا نطرح السؤال هل لطنجة الإعلام الذي تستحق ؟
فمن خَبر شؤون طنجة العامة والخاصة يعي جيدا كيف كانت، وكيف أصبحت، ويعرف أن طنجة البارجة كانت متألقة بإعلامها، وبالرواد الذين شكلوا تلك الحقبة الذهبية في مجال الإعلام والصحافة. في زمن هؤلاء الرواد طنجة كانت منارة الإعلام المغربي بامتياز. عبد اللطيف بن يحيى، محمد البوعناني، زهور الغزاوي، امينة السوسي، حميد النقراشي، خالد مشبال، المرحوم امحمد الجفان، سعيد كوبريت و آخرون لا يتسع المقام لذكرهم جميعا، بصموا بجرأتهم وبقوة تناولهم لمواضيع ذات طابع اجتماعي و إنساني و سياسي على فترة مزدهرة، وعرفوا كيف يشدوا إليهم المتلقي بصدق الكلمة ومصداقية الطرح. ورغم ما كان يطبع تلك المرحلة من اكراهات و معيقات و مضايقات وأساليب تحكمية. كانت فترة ممارستهم فارقة في تاريخ الإعلام الوطني. ولا أدل على ذلك أن في أيامهم عرفوا كيف يصبغوا على طنجة المنسية آنذاك تلك الصورة الجميلة في أذهان المتلقي رغم أنها كانت تفتقد لكل شيء. فما بالك اليوم والمدينة تتوفر على كل شيء وتحظى بهذا الهيلمان، وهذا التطور الذي تعرفه كل القطاعات ماعدا قطاع الإعلام والصحافة.
فلا الرواد استطاعوا مسايرة هذا الركب، ولا الجيل الجديد فهم أساليب اللعب والمناورة، ولا أستطاع أن يكون ضمن منظومة التسيير، بل بالعكس فضل إن يبقي أداة في أيدي المسيرين. جيل اليوم لم يستطع أن يفرض أساليبه في سيرورة التطور الحضاري التي تعرفها المدينة. ولم يقدر أن يصبح فاعلا أساسيا فيها، ليستكين للخلاف ويرضخ لقانون اللعبة ويقبل على نفسه أن يكون مفعولا فيه و أداة يتم تحركها بالطريقة التي يرغب بها من يمتلك كل خيوط اللعبة. جيل الأمس كسب الاحترام والتقدير لان قوته كانت تكمن في تواضعه وانفتاحه على كل الطاقات المبدعة. أما جيل اليوم قَبِل على نفسه الدونية و التبخيس لأنه انغلق على نفسه، وكبريائه جعله يعتقد انه قادر لوحده على الفعل والتأثر، في حين لا يستطيع حتى التأثير على ذاته فبالأحرى التأثر على الأخر. ومن هنا سنجيب على السؤال الذي طرحناه سلفا، نعم، ليس لطنجة الإعلام الذي تستحق، ولن يكون مادام منطق الإقصاء والاستعلاء والانغلاق والصراع والتحكم هو المتحكم.