شهدت الجبايات المحلية بالمغرب على مر السنوات، مجموعة من التطورات والإصلاحات وذلك في سبيل ملاءمتها ومواكبتها مع نظام اللامركزية. وجرى تعزيز هذا الأخير بشكل تدريجي لاسيما من خلال القانون 30.89 المحدد بموجبه نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهياَتها، ثم قانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، ثم قانون 39.07 المتعلق بالرسوم والحقوق والأتاوى.
إلا أنه يبقى السؤال المطروح دائما في هذا الاتجاه، بخصوص جُل هذه الإصلاحات والمستجدات التي تُوج بها النظام الجبائي المحلي، لماذا لم يستطيع من تحقيق المردودية اللازمة لإشباع حاجيات الجماعات المحلية، والاستجابة لرهاناتها التنموية؟
للإجابة على هذه الاشكالية سنحاول الوقوف على مكامن الضعف والخلل الذي يعتري هذا النظام والذي يُحد من نجاعته مع التطرق إلى سُبل الإصلاح وفق متطلبات التنمية.
فمن بين أهم المؤاخذات التي أدت إلى نوع من الغموض والالتباس لكل من الإدارة الجبائية والملزم، هي إستمرار تطبيق مقتضيات القانون 30.89 فيما يتعلق ببعض الرسوم رغم دخول القانون الجديد حيز التنفيذ.
ففي الوقت الذي أكد فيه الاصلاح على تجميع كافة الرسوم الخاصة بالجماعات الترابية في نص قانوني واحد طبقا لأحكام الفقرة الرابعة من المادة 176 من القانون 06.47، نجده في المقابل يحتفظ بتعددية النصوص القانونية المنظمة للجباية المحلية.
ومن بين السلبيات التي كرسها أيضا هذا الاصلاح الجبائي المحلي، أنه جاء عاما وشاملا لا يراعي لخصوصيات الجماعة الترابية بحكم موقعها الجغرافي ومستوى نموها الاقتصادي والحضاري. فإذا كان الهدف وراء هذا الاصلاح الرفع من مردودية الموارد الجبائية للجماعات الترابية، فإن الأمر يختلف بالنسبة للجماعات القروية، كون القانون الحالي يعطي الأولوية للجماعات الحضرية دون القروية، ذلك أن أهم الأوعية التي استهدفها القانون تتواجد داخل المجال الحضري بنسبة 85 في المئة من الموارد التي تسيطر عليها، مما يجعل الجماعات القروية تعاني من العجز التمويلي الذاتي خاصة أمام الاكراهات التنموية التي تعرفها.
ذلك أن الجماعات القروية وإن كانت تستفيد قانونيا من الرسوم المحلية، فإنها عمليا لا تستفيد إلا من الجزء اليسير منها، لأن ضعف الموارد الذاتية في المجال القروي يرجع أساسا إلى افتقارها إلى التجهيزات الأساسية والقطاعات الاقتصادية التي تمدها بموارد ضريبية، والتي تشكل الوعاء الجبائي الترابي لمختلف الرسوم المنصوص عليها في هذا القانون وأحد الأسباب التي خلقت اللامساواة الجبائية بين الجماعات.
نفس الشيئ ينطبق على الجهات.. فإن هناك من الرسوم بحكم طبيعة أوعيتها لا يمكن فرضها بجميع جهات المملكة. كما أن بعض الضرائب الممنوحة للجهات، كالضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، ترتبط بالحصة التي تمنحها الدولة، وبالتالي تكون تابعة لميزانية الدولة ارتفاعا وانخفاضا، مما يؤثر سلبا على ميزانية البرامج الاقتصادية للجماعات، خاصة المتوسطة والطويلة الأمد.
ولا ننسى الإعفاءات الكبيرة والغير مبررة لبعض الملزمين من منعشين عقاريين والتي تتمثل من إعفاءهم في مادة السكن الاجتماعي من كل الرسوم المحلية. بالإضافة للإعفاءات التي تخص الأراضي والمساكن التي تملكها الدولة والجماعات الترابية، على الرغم من استغلالها من طرف أشخاص آخرين.
ولا نغفل على إعفاءات مؤسسات التعليم الخصوصي،إلا أن الصيغة المعتمدة في هذه الأخيرة ، أدت بصفة خاصة لحرمان الجماعات من موارد مهمة خاصة بالنظر للدور المتزايد لهذا القطاع في مجال التربية و التعليم.
أما على مستوى التحصيل، فالبرغم من كون الإصلاح الجبائي الجديد هدف إلى ملاءمة عملية التحصيل مع ما هو معمول به على المستوى الوطني، فإنه لا يزال يتخبط في عدة مشاكل أهمها مشكل الباقي استخلاصه، حيث يشكل هذا الأخير عقبة في تنمية الجماعة الترابية، في كونها مؤثر سلبي على الوضعية المالية للجماعة الترابية بلا شك، والتي تؤثر كذلك على التقديرات السنوية التي تبقى مرهونة بتحصيل أو عدم تحصيل المداخيل، و هذا ما يدفع الجماعة غالبا بسبب هذا العجز من التخلي عن تحقيق العديد من المشاريع المقررة برسم السنة المالية المعينة.
و في السياق ذاته لا يمكن الإغفال عن ظاهرة التهرب الضريبي التي تنعكس بدورها سلبا على التحصيل، فالإصلاح الجبائي لابد أن يعطي الأهمية الكبرى للحلول الناجعة التي من شأنها الرفع من المردودية المالية للجماعات الترابية .
وانطلاقا من الممارسات المقارنة المتعارف عليها دوليا، فإن نجاح الجهوية المتقدمة يعتمد أساسا على الاصلاح الجيد للبنيات الضريبية للجماعات الترابية بصفة عامة والجهات بصفة خاصة، وهذا ما يتطلب التفكير بجدية في إعادة تشكيلها بغية في تمويل متوازن على المستوى الترابي. حيث أن الاصلاحات و إن كانت تروم في مظهرها إلى إصلاح التدبير المالي المحلي، إلا أن مضمونها يبقى غير قادر على بلورة إصلاح حقيقي محظ.
ومن أجل تقوية المنظومة الحبائية الجهوية من خلال الرفع من قيمة وفعالية مواردها يجب إخضاع هذه المنظومة، إلى إصلاحات جذرية على مستويين أساسيين الأول قانوني والثاني تدبيري والمتمثلين أساسا في تبسيط النظام الجبائي باعتماد منهجية محددة وواضحة من خلال مرتكزات تواكب دينامية الاقتصاد، وتبني نظام جبائي يشجع الاستثمار المنتج لدعم فرص الشغل وتقوية البعد الاجتماعي، وذلك بإصلاح القوانين والتنظيمات المؤطرة للقانون الجبائي المحلي عبر تجميع هذه النصوص القانونية الخاصة بالرسوم والاتاوى المحلية في مدونة واحدة لخلق الانسجام بين هذه القوانين ومقتضيات الدستور والقوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية ثم تعزيز السلطة الجبائية للجماعات الترابية التي تتمثل في تمكينهم من سلطة جبائية حقيقية تضمن لها حرية التحكم في الرسوم الذاتية الخاصة بها، بمنحها سلطة واسعة في إحصاء وتحصيل أوعيتها. ثم عقلنة عملية التحصيل من خلال وضع حل ناجع لاسترجاع الأموال الضائعة بمعية كل المتدخلين والفاعلين على الصعيد المحلي، لتحصيل الديون العالقة في ذمة الخاضعين، لتمكين الجماعات الترابية من أموالها قصد توظيفها في مشاريعها التنموية،
وختاما وخلال الوقوف على أهم الاختلالات التي تضمنها القانون الجبائي المحلي يتضح كما هو الحال في جميع القطاعات، أن المشكل لا ينحصر فقط في عدم كفاءة النص القانوني، بل يتعداه إلى ما هو سوسيولوجي يرتبط أساسا بالوعي الجماعي، وبالإدارة السياسية وتوفير الموارد البشرية والمادية لتفعيل النص القانوني على أرض الواقع وفق بيئة ملائمة، الشيء الذي يجعل مطلب اصلاح الاصلاح ضرورة حتمية للاستجابة لمتطلبات التنمية المحلية.