متابعة – الجريدة
حلت خلال الأيام القليلة الماضية عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على غرار مقطع الفيديو الذي نشره موقع “الجريدة” الإلكتروني المتعلق بشحنة محملة بأطنان من المخدرات تمت تعبئتها على شكل طماطم وتجهيزها للشحن من ميناء طنجة المتوسط نحو موانئ الجزيرة الخضراء بإسبانيا. هذا الأسلوب الجديد في التهريب المتبع من قبل بارونات المخدرات يُظهر الى أي حد أصبحوا أسرع وأكثر تكيفا يعطي تكيفا مع البيئات الجديدة المتعلقة بتقنيات المراقبة الأمنية على مستوى الميناء.
فاعتماد هذا “التكتيك” من طرف هذه الشبكات بمنطقة الشمال له أكثر من قراءة، الأولى أن الطرق التقليدية في التهريب التي كانت معتمدة سابقا لم تعد مجدية، ليصبح ابتداع أساليب جديدة من قبل شراء ذمم المسؤولين وتزوير وثائق لولوج السكانير وتغيير لوحات ترقيم الشاحنات أمرا ملحا حتى تمر شحنة المخدرات بكل أمان.
والثانية تقسيم نقط العبور بين بارونات المخدرات، والصراعات المتكررة بين البارونات دفع هذه الشبكات الإجرامية الى التفيكر في خطة بديلة أكثر أمانا وأقل خطورة، فكان ميناء طنجة المتوسط هو الهدف عن طريق اتباع أساليب احتيالية في التعامل مع جهاز “السكانير” المعطل في أغلب الأوقات. والتحكم في من يشغله، إما من خلال شراء ذممهم أو الاغراءات المالية أو جلب عناصر تتوفر على شروط محددة، ومن المرجّح أن تكون هذه الشبكات قد بلغت حد التحكم في التعيينات الادارية المرتبطة بالعمل على الجهاز.
وهنا لا بد من فتح قوس للحديث عن موضوع “السكانير” وفيما إن كان معطلا فعلا أو يُتعمّد تعطيله لأنه لا يعقل أن يبقى هذا الجهاز خارج الخدمة لأيام معدودة بل ولأسابيع دون أن تتحرك الجهات المسؤولة لإصلاحه. فهل عجزت إدارة الميناء عن اقتناء “سكانير” احتياطي لتفادي كثرة الأعطاب وبالتالي سد الثغرة التي طالما استغلها بارونات المخدرات لتهريب شحناتهم؟ دون أن ننسى ضرورة إعادة النظر في المسار الذي تتخذه الشاحنات داخل الميناء ذهابا وإيابا حتى بلوغها جهاز “السكانير”.
هذا على المستوى التقني، أما على المستوى البشري فحدث ولا حرج، ويبدو أنها نقطة الضعف الوحيدة التي يستغلها المهربون. لتبقى الطريقة الوحيدة هو النظر في قرارات الأجهزة الأمنية والجمركية المتعلقة بإعادة انتشار عناصرها والفترة التي يشترطها القانون للبقاء في نفس المنصب أو المهمة، وأن الاستمرار في منصب معين لأكثر من 4 سنوات قد يسهل مأمورية مافيات المخدرات في اختراق هذه الأجهزة، مما يمس بسمعتها ونزاهتها، ولعل ضعف مردود هذه الأجهزة المتمركزة على مستوى ميناء طنجة المتوسط خلال السنوات الأخيرة راجع إلى محدودية عطاء عناصرها التي استمرت لأكثر من عشرة سنوات ضاربة بعرض الحائط كل الأعراف الاداراية. ودون أن ننسى أن أي نظام لا تعمل آلياته هو بالضبط المكان الذي تُدمر فيه مافيا المخدرات كل شيء، وبالتالي تحقق انتصارا خاصا بها عن طريق ما تمتلكه من سيولة مالية ووسائل السيطرة والتنظيم.
فمتى تتحرك المديرية العامة للأمن الوطني لتنظر في مصير عناصرها التي طالت مهامهم بالميناء؟ فهل هو غياب في التصور أم نقص في الموارد البشرية؟ وما يقال عن الأمن يقال عن الجمارك مع فارق بسيط هو أن هذا الأخير يتحمل المسؤولية المباشرة في مرور أي شحنة، وبالتالي يصبح اختيار عناصر ذات كفاءة وتتحلى بالنزاهة أمر حتمي لأننا لا نريد أن نسمع عن موظفين خدموا بالميناء وأصبحوا بعد مدة قصيرة من أصحاب الملايين لأن هذا بقدر ما يمس بسمعة الجهاز يمس بسمعة الوطن. فماذا تنتظر الدولة لمراجعة سياساتها الأمنية بخصوص حربها ضد تجار المخدرات بالشمال عموما وطنجة على وجه التحديد، بعدما أصبح بارونات المخدرات يشكلون قوة جبارة فاقت أحيانا كثيرة قوة ذكاء القائمين على الأمور الأمنية، كما بينت بجلاء أن رؤوس شبكات تهريب المخدرات ظلت تتحرك في مأمن وأمان سواء بطنجة أو على امتداد التراب الوطني وخارجه، رغم أن من بينهم أسماء تشكل مذكرات بحث وطنية.
لقد مر أكثر من 15 سنة على “الحملة التطهيرية” التي أتت على رؤوس عديدة لتجار المخدرات بالشمال ليسترجع المغرب ثقة المستثمرين الأجانب، فالدولة ليست مستعدة لخسارة هذا المكسب والسماح لحفنة من شبكات التهريب الدولي للمخدرات واعادتنا الى نقطة الصفر. كما أن الخوف كل الخوف من أن تؤدي الأزمة الصحية، والحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على الأسعار المواد الغذائية الأولية والجفاف الى انكماش اقتصادي وبالتالي التحول نحو أسواق المخدرات غير المشروعة ونموها.
يتبع..