[author title=”زايد الرفاعي” image=”https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.15752-9/42816374_2182466125375715_2027067775930859520_n.jpg?_nc_cat=100&oh=fdae3e24c81a198604995b1d6095cb9d&oe=5C1589B3″]ماستر في الصحافة[/author]
إن كانت الرباط العاصمة الإدارية، وفاس العلمية، ومكناس الإسماعيلية، فإن العرائش العاصمة البانورامية، نظرا لسحرها وجمالها والتركيبة الإستثنائية لبنيانها وفلسفة طقوس سكانها.
تلقب المدينة بعذراء الشمال التي تعاقبت عليها عدة حضارات دونما أن تغير كثيرا من هويتها وخصوصياتها، بإستثناء الحضارة الإسلامية التي كانت عاملا رئيسا في الحفاظ على تاريخها وحضارتها وثقافتها… إذ بالبرغم من أن المدينة تمزج بين الثقافتين المغربية والإسبانية، إلا أن اللمسات الأندلسية لا زالت آثارها تبدو جلية على ضواحيها؛ خصوصا فيما تزخر به من هندسة معمارية، فيستحيل أن تذكر العرائش دون الإشارة إلى المآثر التاريخية التي تميزها وتجعلها تحتل صدارة أجمل مدن الساحل الأطلسي، ولعل أبرزها: منطقة ليكسوس التي تقع على ربوة في المدخل الشمالي، وعلى ضفة نهر اللكوس، هذا الأخير يمنح بعدها الفلاحي ميزة متفردة، مما جعلها تشتهر بمدينة الخضراوات والفواكه على إختلاف أصنافها وأنواعها، إضافة إلى توفرها على ميناء مهم يمكنها من إستغلال الثروة السمكية والمساهمة في تدبير الصيد البحري، علاوة على توفرها على إحدى أشهر الغابات بالمملكة (لابيكا) التي تعتبر واجهة لإستجمام كل من ساكنتها وزائريها.

لقد ظلت العرائش إلى حدود الأمس القريب مدينة عذراء، قبل أن تمسسها عدوى سوء التدبير المحلي، وتطالها أيادي السياسات المرتعشة، وتقع تحت قبضة لوبيات الفساد الإداري، لتتحول من عرائش الثقافة والتاريخ والحضارة إلى عرائش الإقصاء والتهميش والبطالة، ومن عاصمة البانوراما والجماليات إلى مرتع الفوضى والعشوائيات، زهاء انتشار ظاهرة البناء العشوائي الذي أثر على البنية التأثيثية للمدينة التي طالما اعتبرت أنظف وأجمل المدن المغربية، وأيضا تفشي ظواهر دخليلة على المجتمع العرائشي كإستلاء الباعة المتجولين على الأرصفة، مع إحتلال أجزاء واسعة من هذه الأخيرة من لدن أرباب المقاهي وأصحاب المتاجر، أمام صمت مطبق من طرف المسؤولين، وتقلص نسبة السياحة بالمدينة نظرا لتعرض السياح لمضايقات بسبب أفعال بعض المراهقين، حيت أصبح الزوار يفضلون المدن الشمالية المجاورة بدل العرائش التي إمتلأت شوارعها بالمتسولين والمتشردين، إضافة إلى الأزقة التي تحولت إلى أوكار للسرقات والإعتدءات في وضح النهار، وغياب شبه تام لدور الجماعة الحضرية على توفير وسائل نقل مجهزة كيفا وكما، وعلى الحد من أزمة الأزبال التي تشوه أزقة وشوارع المدينة وتلطخ صورة مسؤوليها.

فبالرغم من إستياء العرائشيين إلى ما آلت إليه منطقتهم وهجرة بعضهم منها، إلا أن أصلهم الطيب وهويتهم الأبية، تجعلهم يعشقون مدينتهم جهرا وعلانية ويأملون بإعادتها إلى مهد تاريخها وثقافتها، كي تغدو مجددا رمز للحضارة وعاصمة للبانوراما.
ولعل أبرز ما يدل على أن العرائش والعرائشيين أوفياء لمنطقتهم قلبا وقالبا، هو تشبثهم بقيمهم وتقاليد وطقوس مدينتهم في الأقراح قبل الأفراح، رغم بروز أشكال إحتفالية جديدة تطورت مع تطور الوسائل والإمكانيات والعادات في مجتمعات عدة، وهذا إن دل فإنه يدل على ساكنة أصيلة تعمل على بناء صرح نموذجي للمدينة، والحفاظ على هوية عروس الساحل الشمالي؛ هذه هي العرائش، عرائش التناقضات المثيرة، وعرائش الفلكلورية الأصيلة.
